قال تعالى :
(وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩))
هنا وقفة أخرى مع بني إسرائيل من مواضعهم التعنّتيّة وملؤها الانحراف والعصيان والجحود ، ونكران ما أنعم الله عليهم من كبير فضل وعناية.
يمضي السياق في مواجهتهم هذه : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ)
والقرية هذه هي مدينة «حبرون» (١) وكانت عامرة : زاهية بثمارها ولا سيّما العنب والزيتون. وبصناعتها واشتهرت بصناعة الزجاج. وهي من أقدم مدن العالم ، سكنها إبراهيم الخليل عليهالسلام وفيها مقبرته ومقبرة ذويه وعرفت باسم الخليل (٢) ، تقع على بعد ٢٠ ميلا من القدس الشريف.
وكانت ذات أسوار وأبواب وحصون منيعة ، تحرسها رجال أقوياء ، منهم العمالقة أصحاب الأجسام الضخام.
والقرية اسم لمجموعة سكن مبنيّة بعضها إلى جنب البعض ، من القري وهو الجمع. وتطلق على صغار المدن وكبارها ، كما أريد به هنا. بدليل قوله : (وَادْخُلُوا الْبابَ) أي باب المدينة. وفي القرآن إطلاق القرية على مكّة وعلى مصر وعلى غيرهما من مدن عامرة وآهلة.
__________________
(١) حسبما استظهره ابن عاشور في التحرير والتنوير ١ : ٤٩٦ و ٤٩٧. وسيأتي كلامه.
(٢) جاء في قاموس الكتاب المقدّس ص ٣١٠ : تدعى اليوم بحبرون الخليل أو حبرون الزاهرة ، على بعد ٢٠ ميلا جنوبي أورشليم. و ١٠٠ ميل من الناصرة.
قلت : ولعلّ التسمية بحبرون ـ بناء على اشتراك اللغتين العبريّة والعربيّة في أصول الكلمات ـ جاءت من قبل المعنى ، حيث يقال : أحبرت الأرض ، كثر نباتها. وحبره : زيّنه. وشّاه.
قال تعالى : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) (الزخرف ٤٣ : ٧٠) أي يفرحون يظهر عليهم حبار نعيمهم أي أثره المبتهج.