وفي هذا دلالة على جواز مناجاة النبيّ عند قبره ، وعرض الحوائج لدى ضريحه المقدّس ، بل والاستلهام من فيض قدسه الشريف.
وهكذا كان أجلّاء الصحابة يأتون قبره ويناجونه في سرّ خلدهم مع سيّدهم سيّد الأبرار.
[٢ / ٢١١٩] وروى الحاكم بإسناد صحيح عن داوود بن أبي صالح قال : أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر ، فأخذ برقبته وقال : أتدري ما تصنع؟ قال : نعم! فأقبل عليه فإذا هو أبو أيّوب الأنصاري ـ رضوان الله عليه ـ (١) فقال : جئت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم آت الحجر! سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله» (٢) معرّضا بمروان! وكان واليا على المدينة من قبل معاوية!!
[٢ / ٢١٢٠] وروى ابن عساكر بالإسناد إلى أبي الدرداء قال : لمّا رحل عمر بن الخطّاب من فتح بيت المقدس فصار إلى جابية ، سأله بلال بن رباح مؤذّن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يقرّه بالشام ، ففعل. ثمّ إنّ بلالا رأى في منامه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يقول : «ما هذه الجفوة يا بلال؟! أما آن لك أن تزورني يا بلال؟» فانتبه حزينا وجلا خائفا ، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه (٣).
وهكذا كان جلّ الصحابة يتبرّكون بقبره ويناجونه ، أورد السمهودي كثيرا منها في فصل زيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم وكذا صاحب الغدير والأحمدي في كتابه تبرّك الصحابة والتابعين بآثار النبيّ وذويه.
[٢ / ٢١٢١] وأخرج البيهقي في الدلائل بالإسناد إلى مسلم الملائي عن أنس بن مالك ، قال : جاء أعرابيّ إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله ، لقد أتيناك ومالنا بعير يئطّ ولا صبّي يغطّ (٤) وأنشده :
__________________
(١) هو خالد بن زيد بن كليب أبو أيّوب الأنصاري النجاري معروف باسمه وكنيته. توفّي سنة اثنتين وخمسين.
(٢) الحاكم ٤ : ٥١٥. مسند أحمد ٥ : ٤٢٢.
(٣) قال السمهودي : إسناده جيّد (وفاء الوفاء ٤ : ١٣٥٦). ورواه ابن الأثير في أسد الغابة ١ : ٢٠٨. راجع : الغدير ٥ : ١٤٧. والتبرّك للأحمدي : ١٤٧ ـ ١٥٥.
(٤) الأطيط : صوت البعير المثقّل بالحمل. والغطيط : صوت النائم يغطّ في نومة مريحة.