وقد عرفت من ابن حجر : أنّ حديث السفينة وحديث الأمان من المستفيضات المتظافرة (١).
وبعد فلنرجع إلى بقيّة الآيات السابقة :
قوله تعالى : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ)
وقد عرفت أنّ الّذين ظلموا هم العشرة الّذين تخلّفوا عن الذي أمروا بإفشائه من الترغيب والتشجيع في أمر القتال والقيام للنضال. فأخذهم الله بموت الفجأة ، فهلكوا لوقتهم.
قال جمال الدين القاسمي : والرجز هو : الموت بغتة ، ونقل عن بعضهم : أنّ العذاب على ضربين ، ضرب قد يمكن دفعه أو يظنّ إمكان دفعه .. كالهدم والغرق ، وضرب لا يمكن ولا يظنّ دفعه بقوّة آدميّ ، كالطاعون والصاعقة والموت المفاجئ ، قال : وهو المعنيّ بقوله : (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ)(٢).
وللمفسّرين القدامى أقوال وآراء ، فذكر منها ما قاله أبو جعفر الطبري :
قال في تأويل قوله تعالى : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) :
يعني بقوله : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) على الّذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله من تبديلهم القول ـ الذي أمرهم الله جلّ وعزّ أن يقولوه ـ قولا غيره ، ومعصيتهم إيّاه فيما أمرهم به وبركوبهم ما قد نهاهم عن ركوبه (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ). والرّجز في لغة العرب : العذاب ، وهو غير الرّجز (٣) ، وذلك أنّ الرّجز : البثر (٤) ، ومنه الخبر الذي روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في الطاعون :
[٢ / ٢١٣٤] أنّه قال : «إنّه رجز عذّب به بعض الأمم الّذين قبلكم» (٥).
[٢ / ٢١٣٥] وروى عامر بن سعد بن أبي وقّاص ، عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ هذا الوجع أو السقم رجز عذّب به بعض الأمم قبلكم» (٦).
__________________
(١) الصواعق المحرقة : ١٤٠.
(٢) تفسير القاسمي ١ : ٢٩٦.
(٣) الرّجز : الأوثان. وهو الذي جاء في قوله تعالى في سورة المدّثر : وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ.
(٤) البثر : الخراج الصغير.
(٥) رواه أحمد في المسند (٥ : ٢٠٧) مطوّلا بلفظ : «إنّ هذا الوباء رجز أهلك الله به الأمم قبلكم ، وقد بقي منه في الأرض شيء يجيء أحيانا ويذهب أحيانا. فإذا وقع بأرض فلا تخرجوا منها ، وإذا سمعتم به في أرض فلا تأتوها».
(٦) مسلم ٧ : ٢٨.