قال أبو جعفر : فذلك معنى قوله جلّ ثناؤه : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) يعني أنّها لا تقضي عنها شيئا لزمها لغيرها ؛ لأنّ القضاء هنالك من الحسنات والسيّئات على ما وصفنا. وكيف يقضي عن غيره ما لزمه من كان يسرّه أن يثبت له على ولده أو والده حقّ ، فيأخذه منه ولا يتجافى له عنه؟ (١)
وقد زعم بعض نحويّي البصرة أنّ معنى قوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) : لا تجزي منها أن تكون مكانها. وهذا قول يخالفه ظاهر القرآن وذلك أنّه غير معقول في كلام العرب أن يقول القائل : ما أغنيت عنّي شيئا ، بمعنى : ما أغنيت منّي أن تكون مكاني ، بل إذا أرادوا الخبر عن شيء أنّه لا يجزي من شيء ، قالوا : لا يجزي هذا من هذا ، ولا يستجيزون أن يقولوا : لا يجزي هذا من هذا شيئا. فلو كان تأويل قوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) ما قاله هذا القائل ، لقال : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ) كما يقال : لا تجزي نفس من نفس ، ولم يقل : «لا تجزي نفس من نفس شيئا». وفي صحّة التنزيل بقوله : «لا تجزي نفس عن نفس شيئا» أوضح الدلالة على صحّة ما قلنا ، وفساد قول هذا القائل! (٢).
[٢ / ١٧٠١] وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي في قوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) قال : لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا (٣).
[٢ / ١٧٠٢] وقال مقاتل بن سليمان في قوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ) يقول : لا تغني نفس كافرة (عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) من المنفعة في الآخرة. (وَلا يُقْبَلُ مِنْها) يعني : من هذه النفس الكافرة (٤).
قوله تعالى : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ)
قال أبو جعفر : والشفاعة مصدر من قول الرجل : شفع لي فلان إلى فلان شفاعة ، وهو طلبه إليه في قضاء حاجته. وإنّما قيل للشفيع شفيع وشافع ، لأنّه ثنّى المستشفع به ، فصار له شفعا ، فكان ذو
__________________
(١) تجافى له عن الشيء : أعرض عنه ولم يلازمه بطلبه ، وتجاوز له عنه.
(٢) الطبري ١ : ٣٧٩ ـ ٣٨١ ، بتلخيص.
(٣) ابن أبي حاتم ١ : ١٠٤ / ٤٩٩. عن السدّيّ عن أبي مالك ؛ الدرّ ١ : ١٦٦.
(٤) تفسير مقاتل ١ : ١٠٣.