قال تعالى :
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (٦١))
نعم كانوا في صحراء قاحلة ومجدبة ، فمنّ الله عليهم بإنزال المنّ والسلوى وظلّل عليهم الغمام وأرواهم بتفجّر الصخور أنهارا ... ولكن هل ارتوى عطش القوم بهذه البساطة من العيش الهنيء ، أم نازعتهم الرغبة إلى حياة يكدرها تعقيد والتواء وتشريد؟!
فقد طلبوا من موسى أن يدعو ربّه ليخرج لهم أنواع الفواكه والنبات ، غير أنّ موسى عليهالسلام تلقّى طلبهم هذا بالاستنكار : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ...)
حيث فهم موسى عليهالسلام ضجرهم عن العيشة الحاضرة وتبرّمهم منها ، بعد مغادرتهم مصر ، ورغبتهم في العودة إلى ما يوفّر عليهم المآكل حتّى ولو كان في ذلّ العبوديّة الأولى.
فأجابهم مستنكرا عليهم : هذا الذي تطلبونه هيّن زهيد ، لا يستحقّ الدعاء فهو موفور في أيّ مصر من الأمصار : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ ،) من غير حاجة إلى العودة إلى مصر التي أخرجتم منها والتي كانت حياتكم فيها خانعة ذليلة ... فهذا تأنيب لهم من موسى على فكرة قومه في الرجوع إلى مصر.
غير أنّ العيشة في المدن ، حيث وفرة متطلّباتها وتزاحم الرغبات الداعية إلى التطاحن والتنازع في الحياة ، ممّا يورث نكبة الذلّ والهوان ويوجب وفرة الشرّ والفساد ، الأمر الذي جبلت عليه طباع بني إسرائيل ، فما يزيدهم غير تخسير.
وإليك ما جاء في الروايات :