قال تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))
كانت لليهود وكذا غيرهم من أهل الكتاب أو شبهة الكتاب ، دعاو عريضة يزعم كلّ قبيل منهم أنّهم وحدهم على الحقّ وأنّ غيرهم على الباطل. ولا سيّما اليهود كانوا يدّعون أنّهم المهتدون وأنّهم شعب الله المختار ، وإلى أمثال ذلك من دعاو فارغة لا مستند لها سوى الغرّة والاستهواء.
وهنا يأتي القرآن ليفنّد تلكم الدعاوي والاستهواءات ، ويقرّر قاعدته الأصيلة : أن لا فضل إلّا بالتقوى. (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(١) .. كما لا تفاضل بين الأديان بعد أن كان ملاكها وقوامها الأوّل هو الإيمان بالله العظيم ، إيمانا راسخا في القلوب ولينبثق منه العمل الصالح وفي سلامة النفس وصدق النيّة والإخلاص.
هذا هو ملاك الفضيلة ، وقد تسامى به الإنسان على سائر الحيوان!
والآية تقرّر هذا الأصل الأصيل ، وأنّ المؤمن له قيمته وزنته عند الله ، في أيّ زمان وفي أيّ مكان ، سواء أكان مؤمنا بشرائع سابقة أم بشرائع لا حقة ، كلّا في حدّه الخاصّ ، فالمؤمن بشريعة موسى عليهالسلام إذا كان مؤمنا بها لأنّها شريعة الله ، فهو مؤمن بشريعة عيسى وبشريعة الإسلام ، لأنّ الكلّ على نمط واحد ، نازلة من عند الله ، فلا عصبيّة عمياء ، ولا انحياز ولا تزاحم في العقائد والسلوك.
(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ)(٢).
__________________
(١) الحجرات ٤٩ : ١٣.
(٢) البقرة ٢ : ١٣٦ ـ ١٣٨.