فأيّ إنسان خيّر قام بعمل إنساني نبيل ، فإنّه مشكور عند الله ولا تفوته مثوبته ، وهي قاعدة عقلانيّة قرّرها الإسلام على الأصل : «الناس مجزيّون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ» (١).
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(٢).
وهذا أصل عام يشمل المتعبّد بدين وغيره على سواء ، نعم إذا كان العمل الذي قدّمه خالصا من الأكدار ، نظيفا من الأقذار .. وإلّا فإن كان فسده بسوء النيّات لم يكن عمله خيرا محضا .. «وإنّما الأعمال بالنيّات» (٣).
فلو كان العمل مشوبا بالرياء والسمعة والامتنان المستدعي للتحقير والتوهين ، فعمله هذا بالشرّ أشبه منه إلى الخير.
فربّ عمل خطير صغّرته نيّة ، العامل الهزيلة ، وعلى العكس : ربّ عمل صغير عظّمته نيّة صاحبه الفخيمة. «فلا عمل إلّا بنيّة» (٤). وهي التي تحدّد من قيمة العمل إن فخيما أو ضئيلا.
هل لغير المؤمن نصيب في الآخرة؟
هنا سؤال آخر بعد تقرير الأصل القائل بعدم ضياع الأعمال ، وهو : هل لغير المؤمن نصيب في حظوظ الآخرة ، إذا كان ممّن أحسن عملا ، ولم يعاند الحقّ الصريح؟
قلت : ظاهر إطلاق الآية هو التعميم والشمول حتّى مثوبات دار البقاء ، بعد عدم دليل على اختصاص مثوبات الآخرة بالمؤمنين محضا ، وحرمان غيرهم منها بصورة عامّة.
ويتأيّد إطلاق الآية بالمستفيض عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام بأنّ القاصر والمستضعف الذي لم ينكشف له وجه الحقّ صريحا ولم يعانده ، لا يعدّ مخالفا ولا هو من أهل الباطل ، وسوف تشمله
__________________
(١) المستفاد من الكلام النبوي المشهور ، راجع : كنز العمّال ٣ : ٢٥ / ٥٢٧٥ والبحار ٦٨ : ٣٦٨ / ١٨.
(٢) سورة الزلزال.
(٣) تهذيب الأحكام ، ١ : ٨٣ / ٢١٨.
(٤) المحاسن ، ١ : ٢٢٢ ؛ الكافي ١ : ٧٠ / ٩ ، رواه في حديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتمام الحديث : عن الصادق عليهالسلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا قول إلّا بعمل ولا قول ولا عمل إلّا بنيّة ولا قول ولا عمل ولا نيّة إلّا بإصابة السنّة.