ملحوظة
والذي نستشّفه من حديثنا السابق : أنّ لذوي العقول الكبيرة من علماء وحكماء خدموا الناس بفكرتهم وبمبتكرات علومهم في الصناعة والزراعة بما أفاض على الناس بركات وخيرات وسّعت عليهم المعيشة في الحياة وصعدت بالمدنيّة وازدهرت معالمها ملأ الآفاق أن لا بدّ لهم الحظّ الأوفى عند الله والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
نعم هناك للنيّة الصادقة دورها في النيل بحظوظ الآخرة.
[٢ / ٢٢٣٦] وإنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكلّ امرء ما نوى كما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم (١). وفي ذيل الحديث : «فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها ، فهجرته ما هاجر إليه» (٢).
فمن كانت نيّته الشهرة وحسن السّمت ، فذاك حظّه. ومن كانت نيّته إسداء الخدمة إلى الناس والترفيه بحالتهم في الحياة ، فهذا أجره على الله ، إذ لا يقابل عمله بشيء سوى رضى الله له والترفيع بشأنه.
***
وبعد فإليك ما ذكره أصحاب التفسير بالمأثور بشأن الآية :
قال أبو جعفر : أمّا الّذين آمنوا فهم المصدّقون رسول الله فيما أتاهم به من الحقّ من عند الله ، وإيمانهم بذلك : تصديقهم به على ما قد بيّنّاه فيما مضى من كتابنا هذا (٣). وأمّا الّذين هادوا ، فهم اليهود ، ومعنى هادوا : تابوا ، يقال منه : هاد القوم يهودون هودا وهادة.
[٢ / ٢٢٣٧] وقيل : إنّما سمّيت اليهود يهود من أجل قولهم : (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ)(٤). قاله ابن جريج.
وقال أبو جعفر : والنصارى جمع ، واحدهم نصران ، كما واحد سكارى سكران ، وواحد النشاوى نشوان. وكذلك جمع كلّ نعت كان واحده على فعلان ، فإنّ جمعه على فعالى ؛ إلّا أنّ
__________________
(١) عوالي اللئالي ١ : ٣٨٠ / ٢.
(٢) البخاري ١ : ٢ / ١ باب بدء الوحي ؛ مسند أحمد ١ : ٤٣.
(٣) المراد من الكتاب : تفسير الطبري.
(٤) الأعراف ٧ : ١٥٦. والمعنى : رجعنا بتوبتنا إليك. قال الطبرسي : والهود : الرجوع ، مجمع البيان ٤ : ٤٨٦.