دون الحكم والحقيقة ، ثمّ اختلفوا فيه :
فقال بعضهم : إنّ الّذين آمنوا بالأنبياء الماضين والكتب المتقدّمة ولم يؤمنوا بك ولا بكتابك.
وقال آخرون : يعني بهم المنافقين أراد : إنّ الّذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ)(١).
والّذين هادوا : أي اعتقدوا اليهوديّة وهي الدين المبدّل بعد موسى عليهالسلام.
والنصارى : هم الّذين اعتقدوا النصرانيّة والدّين المبدّل بعد عيسى عليهالسلام.
والصابئين : يعني أصناف الكفّار من آمن بالله من جملة الأصناف المذكورين في الآية.
وفيه اختصار وإضمار تقديره : من آمن منهم بالله واليوم الآخر ؛ لأنّ لفظ «من» يصلح للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث. قال الله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ)(٢)(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ)(٣)(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ)(٤). (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ)(٥) ، وقال الفرزدق في التشبيه :
تعال فإن عاهدتني لا تخونني |
|
تكن مثل من ناديت يصطحبان (٦) |
(وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فيما قدّموا. (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما خلّفوا ، وقيل : لا خوف عليهم بالخلود في النار ، ولا يحزنون بقطيعة الملك الجبّار ، ولا خوف عليهم من الكبائر وإنّي أغفرها ، ولا هم يحزنون على الصغائر فأنّي أكفّرها. وقيل : لا خوف عليهم فيما تعاطوا من الأجرام ، ولا هم يحزنون على ما اقترفوا من الآثام لما سبق لهم من الإسلام (٧).
***
وقال أبو جعفر في تأويل الآية : يعني بقوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : من صدّق وأقرّ بالبعث بعد الممات يوم القيامة وعمل صالحا فأطاع الله ، فلهم أجرهم عند ربّهم ، يعني بقوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ
__________________
(١) النساء ٤ : ١٣٦.
(٢) الأنعام ٦ : ٢٥.
(٣) يونس ١٠ : ٤٣.
(٤) يونس ١٠ : ٤٢.
(٥) الأحزاب ٣٣ : ٣١.
(٦) لسان العرب : ١٣ / ٤١٩.
(٧) الثعلبي ١ : ٢٠٨ ـ ٢١٠.