ألمّا بسلمى عنكما إن عرضتما |
|
وقولا لها عوجي على من تخلّفوا (١) |
فقال : تخلّفوا ، وجعل «من» بمنزلة الّذين.
وقال الفرزدق :
تعال فإن عاهدتني لا تخونني |
|
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (٢) |
فثنّى يصطحبان لمعنى «من». فكذلك قوله : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وحّد آمن وعمل صالحا للفظ «من» وجمع ذكرهم في قوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) لمعناه ، لأنّه في معنى جمع.
وأمّا قوله : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فإنّه يعني به جلّ ذكره : ولا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة ، ولا هم يحزنون على ما خلّفوا وراءهم من الدنيا وعيشها ، عند معاينتهم ما أعدّ الله لهم من الثواب والنعيم المقيم عنده (٣).
***
[٢ / ٢٢٦٩] قال مقاتل بن سليمان في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) يعني اليهود (وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ) «وهم» قوم يصلّون للقبلة ، يقرأون الزبور ويعبدون الملائكة ، وذلك أنّ سلمان الفارسي كان من جندي سابور ، فأتى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأسلم وذكر سلمان أمر الراهب وأصحابه ، وأنّهم مجتهدون في دينهم يصلّون ويصومون ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : هم في النار فأنزل الله ـ عزوجل ـ فيمن صدّق منهم بمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وبما جاء به (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) يعني صدّقوا يعني أقرّوا وليسوا بمنافقين (وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً) يقول : من صدّق منهم بالله ـ عزوجل ـ بأنّه واحد لا شريك له وصدّق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال بأنّه
__________________
(١) عرضتما : من قولهم : عرض الرجل ، إذا أتى العروض ، وهي مكّة والمدينة وما حولهما.
(٢) في الديوان : «تعش فإن واثقتني» والرواية المشهورة : «تعش فإن عاهدتني». وكان الفرزدق قد اجتزر شاة ثمّ أعجله المسير فسار بها ، فجاء الذئب فحرّكها وهي مربوطة على بعير ، فأبصر الفرزدق الذئب وهو ينهشها ، فقطع رجل الشاة فرمى بها إليه. فأخذها وتنحّى ثمّ عاد. فقطع له اليد فرمى بها إليه. فلمّا أصبح القوم خبّرهم الفرزدق. والبيت في كتاب سيبويه (٢ : ٤١٦).
(٣) الطبري ١ : ٤٥٦ ـ ٤٥٨.