قال تعالى :
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤))
موقف آخر من مواقف بني إسرائيل المتعنّتة : قصّة أخذ الميثاق ، حسبما جاء تفصيله في الآية ٨٣ من السورة ومواضع أخر من القرآن ، وبما فيه من التملّص والتقلّص منه ، ثمّ التشديد عليه لطفا بهم كتشديد الطبيب الناصح على المريض اللجوج .. ولكن هيهات وتلك القلوب القاسية الجامحة ترفض النصح السليم وتجنح إلى السرح السقيم ، بغيا وعتوّا ، ولا يزالون يبتغون الفساد في الأرض كلّما حلّوا وارتحلوا.
وهكذا كانت يهود المدينة تعمل الخبائث وتقوم بالدسائس تجاه صرح الإسلام القويم.
نعم لا بدّ مع أخذ العهد بقوّة وجدّ واستجماع نفس وتصميم لا بدّ مع هذا من تذكّر ما فيه واستشعار حقيقته ، والتكليف بهذه الحقيقة ، كي لا يكون الأمر كلّه مجرّد حماسة وحميّة وقوّة. فعهد الله منهج الحياة ، منهج يستقرّ في القلب تصوّرا وشعورا ، ويستقرّ في الحياة وضعا ونظاما ، ويستقرّ في السلوك أدبا وخلقا ، وينتهي إلى التقوى والحسّاسيّة برقابة الله وخشية المصير.
ولكن هيهات! لقد أدركت إسرائيل نحيزتها (١) وغلبت عليها جبلّتها : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) غير أنّ رحمة الله وسعت غضبه فأدركتهم مرّة أخرى وشملهم فضله العظيم ، فأنقذهم من الخسار المبين (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ).
حادث نتوق الجبل
ممّا يسترعي الانتباه هنا هو حادث نتوق الجبل فوق رؤوس بني إسرائيل ، بما اضطرّهم إلى قبول العهد والاستسلام للشريعة!
__________________
(١) النحيزة : الطبيعة. يقال : هو كريم النحيزة أي شريف رفيع.