قال تعالى :
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦))
تلك كارثة أخرى واجهت حياة بني إسرائيل تنبؤك عن النكث والنكسة ، والتحلّل من العهد الذي تعاهدوا عليه ، وضعف مقدرتهم الإيمانيّة عن احتمال التكليف ورعاية الحدود المضروبة عليهم. ضعفا أمام هوى عاجل وترجيحا للنفع القريب.
وقد فصّل القرآن حكاية اعتدائهم في السبت في سورة الأعراف : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ)(١).
كانوا قد طلبوا أن يكون لهم يوم راحة وقداسة ، يستريحون فيه عن متاعب الحياة الدنيا ومكاسبها المضنية ، ويقبلون فيه إلى عبادة ربّهم لا يشغلهم عنها شيء.
فجعل الله لهم يوم السبت راحة مقدّسة لا يعملون فيه للمعاش لكنّهم اعتدوا وتجاوزوا الحدّ المضروب لهم.
قال ابن عاشور : والاعتداء الواقع منهم هو اعتداء أمر الله تعالى إيّاهم من عهد موسى عليهالسلام بأن يحافظوا على حكم السبت وعدم الاكتساب فيه ، ليتفرّغوا للعبادة بقلب خالص من الشغل بالدنيا.
قال : فكانت طائفة من سكّان أيلة (٢) على البحر رأوا تكاثر الحيتان يوم السبت بالشاطىء ، لأنّها إذا لم تر سفن الصيّادين وشباكهم أمنت فتقدّمت إلى الشاطىء تفتح أفواهها في الماء لابتلاع ما يكون على الشواطىء من آثار الطعام ومن صغير الحيتان وغيرها فقالوا : لو حفرنا لها حياضا
__________________
(١) الأعراف ٧ : ١٦٣.
(٢) أيلة ، بفتح الهمزة وبتاء تأنيث في آخره ، بلدة على خليج صغير من البحر الأحمر في أطراف مشارف الشام وتعرف اليوم بالعقبة. وهي غير إيلياء ، بكسر الهمزة وبياءين ممدوتين ، هو اسم بيت المقدس.