كما لا نصّ مستندا إلى المعصوم ، حسبما صرّح به الإمام عبده (١).
وقد تقدّم كلام سيّد قطب : وليس من الضروري أن يستحيلوا قردة بأجسامهم ، فقد استحالوا إليها بأرواحهم وأفكارهم. وانطباعات الشعور والتفكير تعكس على الوجوه والملامح سمات تؤثّر في السحنة وتلقي ظلّها العميق (٢). وهذا هو الأوجه والأوفق مع الاعتبار ، والأظهر حسب ملامح التعبير.
ماذا تهدينا ملامح التعبير؟
جاء التعبير في سورة المائدة هكذا :
(مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ).
قوله : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) عطف على (جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ). أثرا مباشرا لوقوع اللعنة والغضب عليهم ، بسوء تصرّفهم.
فهم إنّما انقلبوا من الصورة الإنسانية النبيلة إلى صورة بهائم شرسة ، لكونهم خرجوا من ظلّ عنايته تعالى إلى مهوى غضبه وسخطه.
ولنفس السبب خرجوا من عزّ عبادة الله إلى ذلّ عبادة الطاغوت.
فكما أنّ هذا التحوّل الأخير لم يكن عن قسر وإلجاء. وإنّما هو عن سوء نيّة واجتراء. فكذلك التحوّل من الإنسانيّة إنّما حصل بسوء اختيارهم هم ، فهم جعلوا أنفسهم قردة وخنازير. وهذا لا يكون إلّا معنويّا لا صوريّا بتحوّل الأجساد.
وهذا نظير قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ)(٣). أي هم لفرط جهلهم وتمادي غيّهم جعلوا لأنفسهم حجابا حائلا دون سماع العظة والتذكار. (وَقالُوا قُلُوبُنا
__________________
(١) المنار ١ : ٣٤٥. وهكذا لم يأت في تفاسيرنا شيء من ذلك مأثورا عن العترة الطاهرة. سوى ما في تفسير الإمام وهو مجهول الانتساب. وتفسير القمّي ، لم يعرف واضعه لحدّ الآن. وفي رواية للعيّاشي (١ : ٦٤ / ٥٥) بإسناد مقطوع عن عبد الصمد بن برار ـ مجهول ـ عن الكاظم عليهالسلام. تقدّم نقله ولا يصلح مستندا.
(٢) في ظلال القرآن ١ : ٩٩ ـ ١٠٠.
(٣) البقرة ٢ : ٧.