وقد صحّ عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه خبأ شفاعته للمذنبين من أمّته ، (١) أي شفاعته الكبرى الشاملة. ادّخرها للأمّة لذلك اليوم الرهيب. الأمر الذي وعده الله تعالى في كتابه العزيز بقوله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى)(٢). اتّفقت الروايات عن الأئمّة على أنّها الشفاعة (٣).
والروايات بهذا الشأن كثيرة جدّا كثرة تفوق حدّ التواتر ، وقبل أن نخوض البحث ينبغي تحديد مسألة الشفاعة ـ المقبولة شرعيّا ـ فلا يعلوها كدر الأوهام.
تعريف بالشفاعة
الشفاعة ـ كما نبّهنا عليه ـ هي مقارنة عمل أو دعاء بما يوجب كماله المستدعي لسرعة الإجابة أو القبول. فلو لا أنّ المستشفع يقدّم بعمل صالح أو يقوم بابتهال ضارع إلى الله ، ويجعله مقترنا بزمان شريف أو مكان شريف أو بدعاء إنسان شريف ، لم تتصادق هناك شفاعة ولا استشفاع.
فالذي يرجو شفاعة الأولياء في غفران ذنوبه ، من غير أن يمهّد لذلك أسبابه ولا شرائطه المؤاتية له ، لا تصدق بشأنه الشفاعة ولا هو مستشفع البتّة. وإنّما هو يهدف عبثا ولم يرم مرماه.
***
وعليه فلا موضع للإشكال بأنّ مسألة الشفاعة ممّا يبعث أهل الذنوب على التجرّي بارتكاب المزيد من الآثام ، رجاء أن تشملهم الشفاعة الموعود بها .. وما هذا إلّا إغراء بالمعاصي.
غير أنّ هذا الإشكال غير وارد ، بعد اختصاص الشفاعة بالآئبين التائبين والمستغفرين بالأسحار ، وقد ندموا على ما فرط منهم من ذنوب وآثام كانوا ألمّوا بها إلماما ، وعلى خلاف دئوبهم على الطاعة والاستسلام لله تعالى.
(وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٤).
__________________
(١) حديث متّفق عليه. قال الطبرسي : تلقّته الأمّة بالقبول. مجمع البيان ١ : ٢٠١. وذكرته عامّة الصحاح. راجع : مسند أحمد ١ : ٢٨١.
(٢) الضحى ٩٣ : ٥.
(٣) راجع : تفسير الآلوسي ٣٠ : ١٦٠.
(٤) آل عمران ٣ : ١٣٥.