فهؤلاء التائبون النادمون على ما فرط منهم العازمون على أن لا يعودوا لمثله. هؤلاء تنفعهم شفاعة الشافعين. لا الّذين هم صفر اليد ، قد خسروا أنفسهم وأصرّوا واستكبروا استكبارا ، وكانوا يصرّون على الحنث العظيم. فهؤلاء لا موضع للشفاعة بشأنهم ، إذ لم يمهّدوا لها السبيل.
إنّ مسألة الشفاعة نظير الوعد بقبول التوبة والمغفرة توجب خلق الرجاء في نفوس العباد فلا ييأسوا عن شمول رحمته تعالى ، وليكونوا دائما على رجاء رأفة ربّهم الكريم. ولكن على شرط أن يدنوا منه خطوة فيدنو منهم خطوات وهو أقرب إليهم من حبل الوريد. فلا تجذبهم حبائل الشيطان فينسحبوا خاسرين. (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ)(١). (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٢).
إذن فالوعد بالشفاعة نظير الوعد بالمغفرة الشاملة ، استعطاف بالعباد ، ليردعوا وينتهوا عن جهالات فرطت منهم ، فلا يعودوا لما نهوا عنه. (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)(٣). وهذا على عكس ما زعمه المعترض من إيجاب التجرئة والإغراء.
شرائط مشروعيّة الشفاعة
لمشروعيّة الشفاعة شرائط يجب توفّرها في كلّ من الشفيع والمستشفع ومورد الشفاعة.
أمّا الشفيع فيجب أن يكون منصوصا عليه ومأذونا من قبله تعالى. (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ)(٤). (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً)(٥).
وبذلك تفترق الشفاعة المشروعة من غير المشروعة ، بفقد هذا الأخير دليل اعتبارها.
وفي ذلك ردّ على المشركين في الاستشفاع بما لا حجّة لهم فيه : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي
__________________
(١) يوسف ١٢ : ٨٧.
(٢) العنكبوت ٢٩ : ٢٣.
(٣) المائدة ٥ : ٩٥.
(٤) يونس ١٠ : ٣.
(٥) مريم ١٩ : ٨٧.