قال تعالى :
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤))
وهذه الآية جاءت تعقيبا على قصّة البقرة ، والتي كانت بحيث من شأنها أن تستجيش في قلوب بني إسرائيل الحسّاسيّة والخشية والتقوى ؛ وكذلك جاءت تعقيبا على ما سلف من المشاهد والأحداث والعبر والعظات ، تجيء هذه الخاتمة لتبرهن العكس لكلّ ما كان يتوقّع ويترقّب وفقا لطبيعة إسرائيل المنتكسة.
نعم بدلا من أن تلين قلوبهم ، قست وأصبحت كالحجارة وهي صخرة صلدة غير أنّ قلوبهم أجدب وأقسى فإنّ من الحجارة لما يتفجّر منه الأنهار ، المنهملة من عيون تتفجّر من خلال صخور الجبال. ومنها ما تتشقّق أو تهبط من خشية الله ، انصياعا لنظام الكون ولكن قلوبهم لا تنصدع ولا تتخشّع ولا تلين لذكر الله مهما كثر التذكار وتتابعت العبر والعظات ومن ثمّ هذا التهديد : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
وبهذا يختم هذا الشوط من الجولة مع بني إسرائيل في تأريخهم الحافل بالكفر والجحود ، والالتواء واللجاجة ، والكيد والقسوة ، والتمرّد والفسوق.
***
[٢ / ٢٤٢١] روي عن الإمام أبي محمّد العسكري عليهالسلام قال ـ في قوله : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) ـ : «عست (١) وجفّت ويبست قلوبهم من الخير والرحمة ، (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) من بعد ما تبيّنت الآيات الباهرات. (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) اليابسة لا ترشّح برطوبة ، ولا ينتفض (٢) منها ما ينتفع به فلا يؤدّون حقّا
__________________
(١) يقال : عسى النبات : غلظ وصلب. وعست يده : غلظت من العمل. والليل : اشتدّت ظلمته.
(٢) يقال : نفض الزرع : خرج آخر سنبله. ونفض الكرم : تفتّحت عنا قيده.