الخلق وبين الله ، فلذلك ذمّهم لما قلّدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنّه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته ، ولا العمل بما يؤدّيه إليهم عمّن لم يشاهدوه ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى وأشهر من أن لا تظهر لهم.
وكذلك عوامّ أمّتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبيّة الشديدة والتكالب على حطام الدنيا وحرامها وإهلاك من يتعصّبون عليه وإن كان لإصلاح أمره مستحقّا ، وبالترفّق بالبرّ والإحسان على من تعصّبوا له ، وإن كان للإذلال والإهانة مستحقّا ، فمن قلّد من عوامّنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الّذين ذمّهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم.
فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فللعوامّ أن يقلّدوه ، وذلك لا يكون إلّا في بعض الفقهاء دون بعض لا جميعهم فإنّه من ركب من القبائح والفواحش مراكب الفسقة فلا تقبلوا منهم عنّا شيئا ولا كرامة لهم.
وإنّما كثير التخليط فيما يتحمّل عنّا أهل البيت لذلك ، لأنّ الفسقة يتحمّلون عنّا فيحرّفونه بأسره لجهلهم ويضعون الأشياء على غير وجهها ، لقلّة معرفتهم. وآخرون يتعمّدون الكذب علينا ليجرّوا من عرض الدنيا ما هو زادهم ، إلى نار جهنم» (١).
من هو الأمّيّ؟
الأمّي هو الذي لا يقرأ في كتاب ولا يخطّ في قرطاس.
ولكن ما وجه نسبته إلى الأمّ؟
ذكر المشهور أنّ هذه النسبة جاءته من قبل كونه كيوم ولدته أمّه لا يعرف شيئا لا القراءة ولا الكتابة.
ولكنّ أبا جعفر الطبري ذكر وجها لعلّه أدقّ ، قال :
«وأرى أنّه قيل للأمّيّ أمّي نسبة له إلى أمّه ، لأنّ الكتابة ذلك العهد كانت في الرجال دون النساء ، فنسب من لا يكتب ولا يخطّ من الرجال إلى أمّه في جهله بالكتابة ، دون أبيه ..» (٢).
أي إنّه ورث الجهل بالكتابة من أمّه دون أبيه ، إذ قد لعلّه كان يعرفها.
__________________
(١) تفسير الإمام : ٢٩٩ ؛ البحار ٢ : ٨٦ / ١٢.
(٢) الطبري ١ : ٥٢٨.