قوله تعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)
استفاضت الروايات عن السلف (١) بأنّ المراد من السيّئة هنا هو الشرك بالله العظيم.
ولعلّه نظرا لكون الخلود في النار لا يكون لمؤمن مهما اقترف السيّئات حيث الإيمان ـ المحتفظ به حتّى الموت ـ عمل قلبي فخيم ، ولا بدّ من المثوبة عليه ، ولا مثوبة حيث يتعقّبها الخلود في النار فلا بدّ أن تتأخّر عن معاقبته على ما ارتكبه من السيّئات.
[٢ / ٢٥٠٠] ومن ثمّ روى الثعلبي عن ابن عبّاس وغيره : أنّ المراد ، الشرك يموت عليه الرجل (٢).
[٢ / ٢٥٠١] وعن السدّي والحسن أيضا : أنّها الكبيرة من الكبائر الموبقة (٣).
[٢ / ٢٥٠٢] وعن السدّي أيضا : أنّها الذنوب التي وعد الله عليها النار (٤).
[٢ / ٢٥٠٣] وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة في قوله تعالى : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) قال : أحاط به شركه (٥).
قال أبو جعفر الطوسي : والذي نقوله ، الذي يليق بمذهبنا ، أنّ المراد بذلك هو الشرك والكفر ، لأنّه الذي يستحقّ به الدخول في النار مؤبّدا ، ولا يجوز أن يكون مرادا به غيره .. قال : وهذا قول مجاهد. لأنّ ما عدا الشرك لا يستحقّ عندنا الخلود عليه في النار وقوله تعالى : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) يقوّي ذلك ، لأنّ المعنى فيه : أن تكون خطاياه كلّها اشتملت عليه ، ولا يكون معه طاعة يستحقّ بها الثواب ، تشبيها بما أحاط بالشيء من كلّ وجه. ولو كان معه شيء من الطاعات ، لكان مستحقّا للثواب ، فلا يكون محاطا بالسيّئة. قال : لأنّ الإحباط عندنا باطل ، فلا يحتاج إلى مراعاة كثرة العقاب وقلّة الثواب. لأنّ قليل الثواب عندنا يثبت مع كثرة العقاب ، لما ثبت من بطلان التحابط بأدلّة العقل وليس هنا موضع ذكرها .. قال : ولأنّ الآية بعدها فيها وعد لأهل الإيمان بالثواب الدائم ،
__________________
(١) كما عن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة وعكرمة وأبي العالية وعطاء وابن جريج والضحّاك والربيع وأبي وائل والحسن ومقاتل بن سليمان. فيما رواه ابن أبي حاتم ١ : ١٥٧. والطبري ١ : ٥٤٣. والثعلبي ١ : ٢٢٦. وأبو الفتوح ٢ : ٣١. والطوسي ١ : ٣٢٥ ومجمع البيان ١ : ٢٨٢. وابن كثير ١ : ١٢٣. ومقاتل ١ : ١١٩ وغيرهم.
(٢) الثعلبي ١ : ٢٢٦ ؛ الوسيط ١ : ١٦٥.
(٣) ابن أبي حاتم ١ : ١٥٨ / ٨٢٤.
(٤) الطبري ١ : ٥٤٣ / ١١٧٤ ؛ التبيان ١ : ٣٢٥ ؛ مجمع البيان ١ : ٢٨١.
(٥) ابن أبي حاتم ١ : ١٥٨ / ٨٢٧ ؛ الدرّ ١ : ٢٠٨ ؛ ابن كثير ١ : ١٢٣.