قال تعالى :
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨))
وهنا يمضي السياق ليواجه بني إسرائيل بمواقفهم الشانئة تجاه النبوّات ، تجاه الأنبياء أنبيائهم هم ، وما كان من سوء صنيعهم معهم ، كلّما جاؤوهم بالحقّ جابهوهم بالجحود والعصيان.
وهذا في الحقيقة ردّ على تعاليلهم المزعومة لرفض الإسلام ، بأنّ لديهم من شرائع أنبيائهم ما فيه الكفاية وأنّهم متّبعون لأنبياء كانوا منهم وفيهم الكفاءة فلا حاجة إلى شرائع جاءت على يد غيرهم من سائر الناس.
وهنا يأتي القرآن ليفنّد مزعومتهم هذه في اتّباع الرسل والالتزام بشرائع سالفة.
(أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ).
[٢ / ٢٥٧٧] قال مقاتل بن سليمان : يقول الله ـ عزوجل ـ : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) يعني اليهود (اسْتَكْبَرْتُمْ) يعنى تكبّرتم عن الإيمان برسولي يعني محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ) يعني طائفة من الأنبياء كذّبتم منهم عيسى ومحمّد عليهماالسلام (وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) يعنى وطائفة قتلتموهم منهم زكريّا ويحيى والأنبياء أيضا (١).
نعم إنّ محاولة إخضاع معالم الهدى وشريعة الوحي للهوى الطارىء والنزوة المتقلّبة ، ظاهرة تبدو كلّما فسدت الفطرة وانطمست فيها عدالة المنطق السليم.
ولقد قصّ الله على المسلمين من أنباء إسرائيل ما يحذّرهم من الوقوع في مثله ، حتّى لا تسلب منهم الخلافة في الأرض ، ولا الأمانة التي نالها الله لهم.
__________________
(١) تفسير مقاتل ١ : ١٢١.