قلوبهم (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) يعني بالقليل بأنّهم يصدّقون بأنّه من الله ، وكفروا بما سواه ممّا جاء به محمّد فذلك قوله ـ عزوجل ـ : في النساء (١) : (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً)(٢).
القلوب أوعية فخيرها أوعاها
كلام نورانيّ فاضت به قريحة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام حينما أخذ بيد كميل بن زياد النخعي وأخرجه إلى الجبّانة بظهر الكوفة ، فلمّا أصحر تنفّس الصعداء ، ثمّ قال :
[٢ / ٢٦٥٧] «يا كميل ... إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها ، فاحفظ عنّي ما أقول لك : الناس ثلاثة ، فعالم ربّانيّ ، ومتعلّم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلّ ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق.
يا كميل ، العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال. والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق ، وصنيع المال يزول بزواله.
يا كميل ، معرفة العلم دين يدان به ، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد وفاته. والعلم حاكم ، والمال محكوم عليه.
يا كميل ، هلك خزّان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر : أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة».
ثمّ قال عليهالسلام : «ها ، إنّ هاهنا لعلما جمّا ـ وأشار بيده إلى صدره ـ لو أصبت له حملة! بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه (٣) ، مستعملا آلة الدين للدنيا ، ومستظهرا بنعم الله على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقادا لحملة الحقّ لا بصيرة له في أحنائه (٤) ، ينقدح الشكّ في قلبه لأوّل عارض من شبهة. ألا ، لا ذا ولا ذاك! أو منهوما باللذّة ، سلس القياد للشهوة ، أو مغرما بالجمع والادّخار. ليسا من رعاة الدين في شيء ، أقرب شيء شبها بهما الأنعام السائمة! كذلك يموت العلم بموت حاملية!»
ثمّ قال عليهالسلام : «اللهم بلى! لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة ، إمّا ظاهرا مشهورا ، وإمّا خائفا
__________________
(١) النساء ٤ : ٤٦ و ١٥٥.
(٢) تفسير مقاتل ١ : ١٢٢.
(٣) اللقن : السريع الفهم ولكن غير متحفّظ.
(٤) جمع حنو ، وهو جانب الضلوع .. كناية عن عدم التبصّر وقلّة الوعي.