القلب في المصطلح القرآني
القلب ـ في المصطلح القرآني ـ يراد به منشأ الإدراك العقلاني في الذي هو منبعث التدبّر والتفكير ، والذي به يتميّز الإنسان عن سائر الأحياء ، حيث الذي فيها هو نحو شعور من غير أن يتعقّبه تفكير ومن ثمّ لا تطوّر في حياتها مستندا إلى تطوير في تفكّرها ذلك التطّور الهائل الذي حظي به الإنسان ، منذ أن مسّت قدماه وجه الأرض ولا يزال حظوة نال بها بفضل تدبّره وتعمّقه في الحياة.
وهذا القلب الذي هو منبعث الإدراك في الإنسان ، ليس سوى واقع الإنسان في باطنه ، والذي ليست الأعضاء الظاهرة الجسمانيّة ، سوى أدوات آليّة يستخدمها ذات الإنسان (القابع وراءها) في بلوغ مآربه لا شيء سواه.
وقد استعير لفظ «القلب» لواقع الإنسان الذاتي ، حيث القلب هو حقيقة الشيء وواقعه الذاتي في التعبير العامّ وكانت الإشارة إلى القلب الصنوبري الواقع خلف ضلوع الصدر ، إشارة رمزيّة إلى ذلك الذات الحقيقي القابع وراء هذا الجسد الظاهري في المتفاهم العامّ.
فحيث أريدت الإشارة إلى ذات الإنسان الحقيقى ، أشير إلى القلب الواقع في الصدر ، إشارة رمزيّة لا غير.
وإليك ما ورد من تعابير قرآنية بهذا الشأن :
قال تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ)(١). أي يؤاخذكم بما كسبتم أنتم في ذات أنفسكم عن قصد لا الذي صدر عفوا ومن غير قصد ذاتي.
قال العلّامة الطباطبائي : وهذا من الشواهد على أنّ المراد بالقلب هو الإنسان ذاته ، فإنّ التعقّل والتفكّر وسائر الصفات النفسيّة ، وإن كان ينسب إلى القلب باعتبار أنّه العضو المدرك في البدن ـ حسب معتقد العامّة ـ كما ينسب السمع إلى الأذن والإبصار إلى العين والذوق إلى اللسان (٢) لكن الكسب والاكتساب ممّا لا ينسب إلّا إلى الإنسان ذاته.
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٢٥.
(٢) في حين أنّها آلات لهذه الأحاسيس ، وإنّما الذي يحسّ هو شيء وراء هذه الأعضاء الآليّة ، وهو النفس.