قال : ونظير هذه الآية قوله تعالى : (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ)(١). وقوله : (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ)(٢). وهو من المجاز في الإسناد أي فإنّه آثم في ذاته وجاء بنفسه منيبة.
قال : هذا هو السبب في إسنادهم الإدراك والشعور وسائر الصفات الباطنة إلى القلب ، ومرادهم هي الروح المتعلّقة بالبدن أو السارية فيه بواسطته ، فينسبونها إليه كما ينسبونها إلى الروح وكما ينسبونها إلى أنفسهم ، يقال : أحببته وأحبّته روحي وأحبّته نفسي وأحبّه قلبي ، كلّ ذلك على سواء وقد استقرّ هذا التجوّز في التعبير ، فعبّر بالقلب وأريد به نفس الذات مجازا دارجا ، كما ربما نسبوا ذلك إلى الصدر ، باعتبار أنّه موضعه وأنّه مجتمع الصفات النفسيّة ولأنحاء الإدراكات والحالات الجانحيّة.
قال : وفي القرآن من هذا الباب الشيء الكثير قال تعالى : (يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ)(٣). وقال : (أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ)(٤). وقال : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ)(٥). وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(٦). أي بما يدور في خلدكم (٧).
وكان اختيار القلب رمزا لواقع الإنسان ، باعتباره العضو الأساسي في هيكل الإنسان ، والذي تقوم به حيويّته العامّة المسيطرة على سائر الأعضاء وحتّى المخّ الذي هو مركز الإرادة والتصميم في الإنسان ، بحاجة إلى أن يمدّه القلب بالحياة النابضة وبالتالي كان الإنسان بحقيقته الذاتيّة ، هو المسيطر على القلب باعتباره مركزا لبثّ الحيويّة وعلى المخّ باعتباره مركزا للإرادة والتصميم فكان دور الإنسان بذاته دور حاكم مسيطر آخذ بزمام الحيويّة والتدبير معا وما القلب والمخّ إلّا جناحين يبسطهما على مراكز الحركة والتصميم في جميع مراحل الحياة.
وحيث كان القلب هي الأداة الأولى الّتي استخدمتها الروح ، والتي توصّلت بها للسيطرة على سائر الأعضاء فكانت المناسبة قريبة لاستعارته عنوانا للإنسان ذاته.
وممّا جاء استعمال القلب وأريد به الانسان ذاته ، قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ)
__________________
(١) البقرة ٢ : ٢٨٣.
(٢) ق ٥٠ : ٣٣.
(٣) الأنعام ٦ : ١٢٥ : أي تنشرح الأنفس الكريمة للإسلام.
(٤) الحجر ١٥ : ٩٧ : أي ضاقت نفسك.
(٥) الأحزاب ٣٣ : ١٠ : أي تضايقت أنفسهم.
(٦) المائدة ٥ : ٧.
(٧) راجع : الميزان ٢ : ٢٣٤ ـ ٢٣٦.