ومن ثمّ فإنّ السياق هنا يلتفت من الخطاب إلى الحكاية كما يلتفت إلى المؤمنين ليطلعهم على ما كان من مهازل اليهود. ثمّ يلقّن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجبههم بالترذيل والتبشيع لهذا اللون من الإيمان العجيب الذي يدعوهم إلى الكفر بالدين المبين.
(قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
***
ولنعطف النظر إلى المأثور من أحاديث السلف بهذا الشأن.
قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ)
[٢ / ٢٦٨٠] أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) قال : هو القرآن الذي أنزل على محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ) قال : من التوراة والإنجيل. وهكذا أخرج عن الربيع (١).
[٢ / ٢٦٨١] وأخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن قتادة في قوله : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) قال : هو الفرقان الذي أنزل الله على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال أبو محمّد : وروي عن الربيع نحو ذلك (٢).
قوله تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ)
[٢ / ٢٦٨٢] أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طريق عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري قال : حدّثني أشياخ منّا قالوا : لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منّا ، كان معنا يهود ، وكانوا أهل كتاب وكنّا أصحاب وثن ، وكنّا إذا بلغنا منهم ما يكرهون (٣) ، قالوا : إنّ نبيّا يبعث الآن قد أطلّ زمانه (٤) نتّبعه فنقتلكم معه (٥) قتل عاد وإرم ، فلمّا بعث الله رسوله اتّبعناه وكفروا به ، ففينا ـ والله ـ وفيهم أنزل الله : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ
__________________
(١) الدرّ ١ : ٢١٥ ؛ الطبري ١ : ٥٧٧ / ١٢٥٢.
(٢) ابن أبي حاتم ١ : ١٧١ / ٩٠١.
(٣) أي اعتدينا عليهم. إشارة إلى ما كان من العرب حين تعلو على اليهود وتسطو عليهم.
(٤) أطلّ ـ بالطاء المهملة ـ أي أشرف. يقال : أطلّ الزمان أي قرب وأطلّ عليه أي أشرف.
(٥) أي في صحبته وفي ركابه. كما في قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ). (آل عمران ٣ : ١٤٦).