جعلوهما جميعا في معنى باعوا. وكذلك البيع ، يقال : بعت الثوب ، على معنى أخرجته من يدي. وبعته : اشتريته. وهذه اللغة في تميم وربيعة. قال : سمعت أبا ثروان يقول لرجل : بع لي تمرا بدرهم ، يريد : اشتر لي. وأنشدني بعض ربيعة :
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له |
|
بتاتا ولم تضرب له وقت موعد |
على معنى : لم تشتر له بتاتا. قال الفرّاء : والبتات : الزاد. (١)
***
قلت : القرآن لا يتعدّى اللغة الفصحى وإنّما يتّبع من الأساليب ما هو أفشى وأفصح ، ولا يستعمل النادر فضلا عن الشاذّ وقد عرفت من كلام الطبري : أنّ المستفيض من كلام العرب أن يقولوا : شريت بمعنى بعت واشتريت بمعنى ابتعت إذن فلا معدل عنه بعد إمكان حمل الآية عليه حيث الاشتراء هنا ـ كالاشتراء في قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى)(٢) ـ بمعنى الابتياع.
فقوله تعالى ـ هنا ـ : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) مجاز أطلق فيه الاشتراء على استبقاء الشيء المرغوب فيه ، تشبيها لاستبقائه بابتياع شيء نفيس مرغوب فيه (٣) فهم قد أثروا أنفسهم فأبقوا عليها ، إزاء كفرهم بالله العظيم ورفضهم لشريعة سيّد المرسلين.
وذلك حسب زعمهم أن لو صدّقوا بنبوّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لضاعت أنفسهم وذهبت آمالهم أدراج الرياح ومن ثمّ واحتفاظا على مطامعهم المهدّدة صمدوا تجاه الحقّ وأصرّوا على كتمانه. وبذلك كانوا قد آثروا أنفسهم وامتلكوها دون أن يخسروها ، لو آمنوا بالإسلام. (٤)
قوله تعالى : (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ)
[٢ / ٢٧٠٤] أخرج ابن أبي حاتم بإسناده عن سعيد بن جبير في قول الله : (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) يقول : استوجبوا سخطا على سخط. (٥)
__________________
(١) معاني القرآن ١ : ٥٦.
(٢) البقرة ٢ : ١٦.
(٣) التحرير والتنوير لابن عاشور ١ : ٥٨٦.
(٤) وكلّ ما جاء في القرآن بلفظ «اشترى» فهو بمعنى ابتاع ، و «شرى» بمعنى باع. وفق الدارج في اللغة.
(٥) ابن أبي حاتم ١ : ١٧٣ / ٩١٣ ـ ٩١٦.