كلام عن الإذن منه تعالى
وإليك توضيحا لهذا الجانب : من توقّف تأثير المؤثّرات الطبيعيّة على إذنه تعالى. وذلك نظرا لقاعدة «الإمكان الذاتي» السارية في كلّ موجود على الإطلاق ما سوى واجب الوجود فإنّ الموجودات بأسرها ـ بأعيانها وخواصّها وآثارها ـ كلّها خاضعة لقانون الإمكان الذاتي اللااقتضائي البحت أي الفقر المحض المدقع : «وخضعت له الرقاب وتقطّعت دونه الأسباب».
فهي إن وجدت فبمؤثّر غير ذاته وإن انعدمت فبموجب سوى ذاته حيث لا اقتضاء في ذاته ، لا وجودا ولا عدما.
هذا في أصل وجود الشيء .. وهكذا في تداومه بعد بقاء الذات على فقره الذاتي كما كان ، لم ينقلب عند وجوده في الآن الأوّل واجبا ذاتيّا ، بل هو باق على إمكانه الذاتي اللااقتضائي في الآن الثاني والثالث وهكذا عبر آنات الوجود. ففي كلّ هذه الآنات واللحظات هو بحاجة لإفاضة الوجود عليه ، كالآن الأوّل بلا فرق فالشيء المستمر في وجوده ، هو بحاجة إلى تداوم الإفاضة عليه من واجب الوجود. فلو انقطعت عنه الإفاضة لحظة انعدم لفوره ولم يتح له التداوم في الوجود.
وبما أنّ خاصّيّة الأشياء كذواتها أيضا فقيرة بحاجة إلى تداوم الإفاضة عليها آنا بعد آن.
فبانقطاع الإفاضة ينقطع حبل المسير وهذا هو معنى إيقاف التأثير.
[٢ / ٢٨٣٥] أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم بالإسناد إلى سفيان في قوله تعالى : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) قال : بقضاء الله. قال الثعلبي : أي إلّا بعلمه وقضائه ومشيئته وتكوينه وجاء في تفسير البغوي : إلّا بقضائه وقدره ومشيئته. (١)
قوله تعالى : (وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ)
وهذا تقرير لحقيقة مرّة أصابتهم بسوء اختيارهم ، حسبوه خيرا لهم ، بل هو شرّ لهم ويكفي أن يكون هذا الشرّ هو كفران النعم المنتهي إلى الكفر بالله العظيم فيكون ضرّا خالصا لا نفع فيه أبدا. فهم كما أضرّوا بأنفسهم في هذه الحياة ـ إذ كانت لهم الصفقة الخاسرة ـ كذلك أضرّوا بآخرتهم حيث لا
__________________
(١) الدرّ ١ : ٢٥٠ ؛ الطبري ١ : ٦٥٠ / ١٤١٧ ؛ ابن أبي الحاتم ١ : ١٩٤ / ١٠٢٠ ؛ الثعلبي ١ : ٢٥٠ ؛ البغوي ١ : ١٥٢.