الله بذلك وأخبر نبيّه أنّ جبريل وميكائيل لم ينزلا بالسحر ، وبرّأ سليمان ممّا نحلوه من السحر وأخبرهم أنّ السحر من عمل الشياطين وأنّها تعلّم الناس ذلك ببابل. وأنّ الّذين يعلمونهم السحر رجلان اسم أحدهما هاروت والآخر ماروت. فيكون هاروت وماروت ـ على هذا التأويل ـ ترجمة عن الناس وردّا عليهم. (١)
غرائب وعجائب عن هاروت وماروت ومدينة بابل البائدة!
لقد سطّرت نسائج إسرائيليّة حول مدينة بابل القديمة أحاديث هي بالخرافة أشبه منها إلى الواقع كما تعقّبها حكايات حاكتها عقول هزيلة كانت أشبه بسلوة أهل السّمر الفارهين.
والعجب اعتناء القدامى بهكذا مهازيل فارغة ، وولعهم بجمعها وضبطها في مجاميع الحديث والتفسير وبذلك شوّهوا وجه النقل عن السّلف ، والذي كان من شأنه الحفاظ على قدسيّته النزيهة وإليك طرفا منها :
الآثار بشأن البلاد
[٢ / ٢٨٥٧] أخرج الدينوري في المجالسة وابن عساكر من طريق نعيم بن سالم عن أنس بن مالك قال : لمّا حشر الله الخلائق إلى بابل ، بعث إليهم ريحا شرقيّة وغربيّة وقبليّة وبحريّة ، فجمعتهم إلى بابل ؛ فاجتمعوا يومئذ ينظرون لما حشروا له ، إذ نادى مناد : من جعل المغرب عن يمينه والمشرق عن يساره ، واقتصد إلى البيت الحرام بوجهه ، فله كلام أهل السماء! فقام يعرب بن قحطان فقيل له : يا يعرب بن قحطان بن هود أنت هو ، فكان أوّل من تكلّم بالعربيّة ، فلم يزل المنادي ينادي : من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا حتّى افترقوا على اثنين وسبعين لسانا ، وانقطع الصوت وتبلبلت الألسن ، فسمّيت بابل ؛ وكان اللسان يومئذ بابليّا.
وهبطت ملائكة الخير والشرّ ، وملائكة الحياء والإيمان ، وملائكة الصحّة والشقاء ، وملائكة الغنى ، وملائكة الشرف ، وملائكة المروءة ، وملائكة الجفاء ، وملائكة الجهل ، وملائكة السيف ،
__________________
(١) الطبري ١ : ٦٣٣.