قال تعالى :
(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩))
وهنا يمضي القرآن يعدّد آلاء الله على بني إسرائيل ، وكيف استقبلوا هذه الآلاء بالكفران والجحود وحادوا عن الطريق السويّ الذي رسمته الشريعة على يد أنبيائهم العظام.
وفي مقدّمة هذه النعم الجسام كانت نجاتهم من آل فرعون ، كانوا يسومونهم سوء العذاب.
إنّه يحاول تذكيرهم وإعادة خيالهم ومشاعرهم عن صورة الكرب الذي انتابهم في بدء تاريخهم ، باعتبار أنّ الحاضرين أبناء أولئكم الغابرين ، ويرسم أمامهم مشهد النجاة كما رسم أمامهم مشهد العذاب.
يذكّرهم اليوم الّذي فتح الله عليهم وأنجاهم من بؤس كان قد أغدق بهم ، لا يجدون مخرجا منه ، لو لا أن منّ الله عليهم ببعث موسى وهارون ونجاتهم من فرعون وهامان وجنودهما العتاة الطغاة.
يقول لهم : اذكر اليوم الذي نجّاكم فيه من آل فرعون حالة ما كانوا يديمون عذابكم ذلّا : (يَسُومُونَكُمْ) من سامه خسفا : أذلّه (١) ثمّ يذكر لون هذا العذاب الأسوأ ، هو تذبيح الذكور ـ مبالغة في الذبح أي الإكثار فيه ـ واستحياء الإناث حيث فيه تضعيف ساعد الرجال من جهة ، ومن أخرى اضطرارهم السماح بإشغالهنّ في صالح الأكابر من آل فرعون.
***
وقبل أن يعرض المشهد يذكّر بأنّ تلك المحنة التي قاسها آباؤهم من قبل ، كان فيها بلاء من
__________________
(١) قال الزمخشري : من سامه خسفا إذا أولاه ظلما. قال عمرو بن كلثوم :
إذا ما الملك سام الناس خسفا |
|
أبينا أن يقرّ الخسف فينا |
وأصله من سام السلعة إذا طلبها ، كأنّه بمعنى : يبغونكم (سُوءَ الْعَذابِ) ويريدونكم عليه. والعذاب كلّه سيّء ، والمراد : أشدّه وأفظعه. (الكشّاف ١ : ١٣٧ ـ ١٣٨).