ليلتقوا مع البشر ولكن طبيعة الملك لا تصلح للاجتماع بالبشر ، فلا يسهل عليهم التخاطب والتفاهم معهم ، لبعد ما بين الملك وبينهم في السنخ. وإجمال القول في ذلك : أنّه لو جعل الرسل ملائكة لما استطاع الناس التخاطب معهم ، ولما تمكّنوا من التلقّي منهم تلقّيا مباشرا. (١)
إذن يبعد أن يكون هاروت وماروت ملكين حقيقيّين ، إذ لا يمكن للبشر العاديّ أن يتفاوض مع الملك ، وهما على حالتهما الأصليّة ، لا تكاثفا من الملك ، ولا تلطيفا لجانب الإنسان الروحانيّة.
ويقرب أن يكون التعبير عنهما بالملكين تشريفيّا لمقام صلاحهما القدسيّ. وكذا على قراءة الملكين ـ بالكسر ـ تعبير تشريفي أيضا نظرا لهيمنتهما وسطوتهما الروحيّة ومرجعيّتهما لعامّة الناس. (٢)
وبعد فإليك من أحاديث السلف بشأن كوكبة الزهرة والأساطير التي حيكت حولها ، نعرضها اعتبارا لا اعتقادا :
الآثار بشأن كوكبة الزهرة
[٢ / ٢٨٧١] أخرج سعيد بن منصور عن مجاهد قال : كنت مع عبد الله بن عمر في سفر فقال لي : ارمق الكوكبة ـ يعني الزهرة ـ فإذا طلعت فأيقظني ، فلمّا طلعت أيقظته فاستوى جالسا ، فجعل ينظر إليها ويسبّها سبّا شديدا! فقلت : يرحمك الله أبا عبد الرحمان ، نجم ساطع مطيع ، ماله تسبّه؟! فقال : أما إنّ هذه كانت بغيّا في بني إسرائيل ، فلقي الملكان منها ما لقيا! (٣)
[٢ / ٢٨٧٢] وأخرج ابن جرير والخطيب في تاريخه عن نافع قال : سافرت مع ابن عمر ، فلمّا كان من آخر الليل قال : يا نافع انظر هل طلعت الحمراء؟ قلت : لا ، مرّتين أو ثلاثا ، ثمّ قلت : قد طلعت. قال : لا مرحبا بها ولا أهلا. قلت : سبحان الله! نجم مسخّر سامع مطيع! قال : ما قلت لك إلّا ما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إنّ الملائكة قالت : يا ربّ كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب؟ قال : إنّي ابتليتهم وعافيتكم. قالوا : لو كنّا مكانهم ما عصيناك! قال : فاختاروا ملكين منكم ، فلم يألوا
__________________
(١) راجع : تفسير المراغي ١٥ : ٩٧.
(٢) راجع : التفسير الكبير ٣ : ٢١٨ ـ ٢١٩.
(٣) الدرّ ١ : ٢٣٨ ؛ سنن سعيد بن منصور ٢ : ٥٨٣ / ٢٠٦ ، وقال : سنده حسن ؛ الثعلبي ١ : ٢٤٧.