كلام عن عصمة الملائكة
العصمة عبارة عن بصيرة نافذة وحاجزة دون ارتكاب الذمائم تلك الذمائم التي يترفّع عنها ذوو النفوس القدسيّة الملكوتيّة.
وهكذا الأنبياء والأولياء الصالحون يملكون بصيرة نافذة ، يرون من كلّ فضيلة فضيلتها الذاتيّة ليرغبوا فيها رغبة ذاتيّة وبدافع نفسي عريق وكذا يرون من كلّ رذيلة رذيلتها الذاتيّة ، ليجتنبوها ذاتيّا وبحاجز نفسي عميق فلا يكاد أن يمدّوا يدا إلى إثم ، أو يرتكبوا مظلمة ، ماداموا على ذلك الانبعاث النفسي الرشيد.
وهذا لا يعني أنّهم مجبورون على ذلك ، بل مجبولون عليه ، بفضل بصيرتهم وكمال عقلهم ورشد طويّتهم فإنّما هي إرادة ناشئة من صميم الذات الصافية الضاحية على وضح النور.
وكذلك الملائكة (عِبادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ). (١) لهم أنفس نوريّة بيضاء لائحة لا يريدون إلّا ما أراده الله ولا يفعلون إلّا ما أمرهم الله لا عن إجبار وإكراه ، وإلّا لم يكن مدحا لهم ، بل عن إرادة حازمة ، ناشئة عن بصيرتهم الذاتيّة النافذة.
وهم على درجات : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ). (٢)(لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ). (٣)
ومن ثمّ فإنّهم ـ بفضل بصيرتهم وحزم إرادتهم ـ لا يرتكبون خطيئة ، مادام قبحها لائحا لهم بوضوح ، وهكذا كلّ من طابت نفسه ولطفت سجيّته ، لا يقرب إثما ، وإنّما يفعل الخير محضا ويأتي بصالح الأعمال خالصة. (٤)
(لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ). (٥)
فالملائكة مترفّعون في صميم الذات عن ارتكاب الآثام ، ولا تطيق قدسيّة نفوسهم التخطّي عمّا خطّط لهم في مسيرة الوجود.
__________________
(١) الأنبياء ٢١ : ٢٦ ـ ٢٧.
(٢) الصّافات ٣٧ : ١٦٤ ـ ١٦٦.
(٣) التحريم ٦٦ : ٦.
(٤) راجع : الميزان ١٩ : ٣٨٨.
(٥) الأنبياء ٢١ : ١٩ ـ ٢٠.