وعليه فكلّ ما حيك على غير هذا المنوال ، وهم أو خيال ومن نسج الإسرائيليّات.
وقفة عند مسألة السحر
لا بدّ من وقفة هنا عند مسألة السحر ، ممّا كان اليهود يجرون خلفه ويتركون كتاب الله وراء ظهورهم :
إنّه لا يزال مشاهدا بين حين وآخر أنّ بعض الناس يملكون خصائص لم يكشف العلم عن كنهها بعد. لقد تسمّى بعضها بأسماء ولكن من غير أن يحدّد كنهها ولا طرائقها.
هذا «التيليپاثي» ـ التخاطر من بعيد ـ ما هو؟ وكيف يتمّ؟ وكيف يملك إنسان أن يلهم إنسانا على أبعاد وفواصل شاسعة ، فينتقل منه إليه خاطرة أو فكرة .. من غير أن يشعر الآخر بهذا الإخطار الذهني الذي أتاه من بعد ، وقد يكون من موجود روحاني خارج هذه الحياة ، فيزعم أنّه من فكرته ، وإن كان قد يستغرب خطور مثل هذه الخاطرة في ذهنه ، ومن غير سابقة ولا مناسبة!!
وهو نوع إيحاء عرف باسم الإلهام بفارق : أنّ الملهم لا ينكشف له مصدر الإلهام في حين أنّ الوحي الرسالي مشهود لدى الموحى إليه ، ذات الوحي والذي أوحى إليه ، شهود قطع ويقين. (١)
وهذا «التنويم المغناطيسي» ما هو؟ وكيف يتمّ؟ كيف يقع أن تسيطر إرادة على إرادة ، وأن يتّصل فكر بفكر ، فإذا أحدهما يلقى إلى الآخر ، وإذا أحدهما يتلقّى عن الآخر ، كأنّما يقرأ في كتاب مفتوح؟!
قال سيّد قطب : إنّ كلّ ما استطاع العلم أن يقوله إلى اليوم في هذه القوى التي اعترف بها ، هو : أن أعطاها أسماء! ولكنّه لم يقل قطّ : ما هي؟ ولم يقل قطّ : كيف تتمّ؟
وثمّة أمور كثيرة أخرى يماري فيها العلم ، إمّا لأنّه لم يجمع منها مشاهدات كافية للاعتراف بها ، وإمّا لأنّه لم يهتد إلى وسيلة تدخلها في نطاق تجاربه ، هذه الأحلام التنبّؤيّة : كيف يرى الرائي رؤيا عن مستقبل مجهول ، ثمّ إذا هذه النبوءة تصدق في الواقع بعد حين؟! وهذه الأحاسيس الخفيّة
__________________
(١) حسبما شرحناه في مباحثنا عن أقسام الوحي. (التمهيد ج ١).