غريبا ولا شاذّا بالقياس إلى شتّى الصور وشتّى الابتلاءات الخارقة ، التي مرّت بها البشريّة ، وهي تحبو ، وهي تخطو ، وهي تقفو أشعّة الشعلة الإلهيّة المنيرة في غياهب الليل البهيم!
والمفهومات الواضحة المحكمة في هذه الآيات ، تغني عن السعي وراء المتشابه فيها بالقياس إلينا ، بعد ذلك الزمن المديد وحسبنا أن نعلم منها ضلال بني إسرائيل في جريهم وراء الأساطير ، ونبذهم كتاب الله المستيقن ، وأن نعرف أنّ السحر من عمل الشيطان ، وأنّه من ثمّ كفر يدان به الإنسان ، ويفقد به في الآخرة كلّ نصيب ورصيد. (١)
وقد أسبقنا الكلام عن السحر وعن أقسامه وما جاءت به الآثار ولهجت به الأخبار في القديم وفي الجديد ، وذكرنا ما يناسبها من نقد وتمحيص ، في كتابنا «التمهيد» (٢) فلا نعيد.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ)
[٢ / ٢٨٨٣] أخرج ابن أبي حاتم بالإسناد إلى قتادة في قوله تعالى : (اشْتَراهُ) قال : أي استحبّه (٣) أي آثر السحر والفساد على صالح الأعمال.
[٢ / ٢٨٨٤] وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم بالإسناد إلى السدّي في قوله تعالى : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا) قال : يعني اليهود ، باعوا أنفسهم (٤) إزاء ما استلموه من ثمن بخس.
[٢ / ٢٨٨٥] وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عبّاس أنّ نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عزوجل : (ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) قال : من نصيب. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم ، أما سمعت أميّة بن أبي الصلت يقول :
يدعون بالويل فيها لا خلاق لهم |
|
إلّا سرابيل من قطر وأغلال (٥) |
__________________
(١) في ظلال القرآن ١ : ١٣٠ ـ ١٣٢.
(٢) الجزء السابع من التمهيد : ٢٢٣ ـ ٢٥٠.
(٣) ابن أبي الحاتم ١ : ١٩٥ / ١٠٢٤.
(٤) ابن أبي حاتم ١ : ١٩٥ / ١٠٣٠ ؛ الطبري ١ : ٦٥٣ / ١٤٢٨ ؛ البخاري ٥ : ١٤٧ مع عدم ذكر الراوي.
(٥) الدرّ ١ : ٢٥١.