قال تعالى :
(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٠٧))
هذا ردّ على شبهة ألقتها اليهود ، حينما واجهوا تغييرات في أحكام وشرائع ، كانت في شرائع سابقة ، فنسختها شريعة الإسلام ومن جملة ما شمله النسخ ، شريعة الاتّجاه إلى بيت المقدس في عبادة الصلاة ، فتحوّلت إلى الكعبة المشرّفة. الأمر الذي أثار عجاجهم وسلبهم موضع الاعتبار بقبلتهم بالذات. زعموا أنّ الشرع السابق إن كان حقّا ، فيجب الثبات عليه أبدا ولو كان الشرع اللاحق حقّا ، فكيف العكوف على غيره سابقا؟!
والجواب : أنّ كلا الأمرين حقّ ، غير أنّ السابق كان حقّا في ظرفه ، واللاحق أيضا حقّ في ظرفه. وهذا نظير تبدّل وصفات الطبيب مع تغيير حالات المريض ، فالوصفة السابقة لا تفيده في حالة أخرى لاحقة ، وإن كانت حقّا في ظرفها الخاصّ فلا تنافي أن يكون كلاهما حقّا ، كلّ في ظرفه وفي ظلّ شرائطه الخاصّة.
وسواء أكانت المناسبة هي مناسبة تحويل القبلة ـ كما يدلّ عليه السياق ـ أم كانت مناسبة أخرى من تعديل بعض التشريعات والتكاليف ، التي كانت تتابع نموّ الجماعة المسلمة ، وأحوالها المتطوّرة أم كانت خاصّة بتعديل بعض الأحكام التي وردت في شريعة التوراة سواء أكانت المناسبة إحدى هذه أو جميعها ، فإنّ اليهود اتّخذتها ذريعة للتشكيك في صلب العقيدة وقد ردّ عليها القرآن في بيان حاسم بشأن النسخ والتعديل ، والقضاء على تلك الشبهات التي أثارتها اليهود ...
فالتعديل الجزئي وفق مقتضيات الأحوال ـ في فترة الرسالة ـ هو لصالح البشريّة ، ولتحقيق خير أكبر تقتضيه أطوار حياتها والله خالقهم وهو أعرف بصالحهم.
فإذا نسخ آية ـ شريعة. إذ كلّ شرعة آية ـ أو أنساها ـ ذهبت عن الأذهان لتقادم عهدها ـ فإنّه تعالى ـ لمقام حكمته ولطفه بعباده ـ يأتي بأفضل منها إذا ما لو حظا معا بالنسبة إلى شرائط حاضرة ،