الحديث فلم يذكروا له شاهدا صالحا للاعتماد وهي بضع آيات زعموا نسخها ممّا وقع موضع البحث والنقاش. ولنذكرها ونذكر دلائلهم على النسخ ، لنضع اليد على مواضع الضعف منها.
***
ذكروا للنسخ في القرآن أنحاء ثلاثة :
١ ـ نسخ الحكم والتلاوة معا
بأن تسقط من القرآن آية كانت ذات حكم تشريعيّ ، وكان المسلمون يتداولونها ويقرأونها ويتعاطون حكمها ثمّ نسخت وبطل حكمها ومحيت عن صفحة الوجود.
هذا النوع من النسخ مرفوض عندنا البتّة ، ويتحاشاه الكتاب العزيز الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ). (١)
وقد حاول بعض القدامى من أهل الحديث (٢) ، وهكذا لفيف من المحدثين غير المحقّقين (٣) إثبات هذا النوع من النسخ في القرآن ، بحجّة مجيئه في حديث صحيح الإسناد إلى عائشة ، أنّها قالت :
[٢ / ٢٩٤٠] كان فيما أنزل من القرآن : «عشر رضعات معلومات يحرّمن». ثمّ نسخن بخمس معلومات قالت : وتوفّي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهنّ فيما يقرأ من القرآن! (٤)
قلت : هذا شيء عجيب ، كيف يلتزم به من لا يرى التحريف في كتاب الله!؟ إذ يرجع إثبات مثل هذا النوع من النسخ ، إلى القول بسقوط آيات من الذكر الحكيم ، بعد وفاة سيّد المرسلين ، وكانت تقرأ حتّى ما بعد وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم فأنسئت لا عن سبب معروف.
والغريب أنّ الشيخ الزرقاني حاول إثبات مثله بحجّة إجماع القائلين بالنسخ من المسلمين ، وبدليل وقوعه سماعا (٥)!
غير أنّ المحقّقين من العلماء أبطلوا مثل هذا النوع من النسخ رأسا ، بدليل استلزامه التحريف
__________________
(١) فصّلت ٤١ : ٤٢.
(٢) راجع : الإتقان ٣ : ٦٣.
(٣) راجع : مناهل العرفان ٢ : ٢١٤.
(٤) راجع : مسلم ٤ : ١٦٧ والترمذي ٣ : ٤٥٦.
(٥) مناهل العرفان ٢ : ٢١٤.