نقله. فكيف يمكن الحكم بكون هذا قرآنا!؟ فمن المشكل الواضح ، ما يذكره المحدّثون من روايات الآحاد المشتملة على أنّ آية كذا كانت قرآنا ونسخت! على أنّ مثل هذه الروايات قد مهّدت لأعداء الإسلام إدخال ما يوجب الشكّ في كتاب الله ، من الروايات الفاسدة. فهذه وأمثالها ـ إشارة إلى حديث عائشة ـ من الروايات التي فيها الحكم على القرآن المتواتر بأخبار الآحاد ، فضلا عن كونه ضارّا بالدين ، فيه تناقض ظاهر. (١)
وقال الأستاذ السايس : ما رواه مالك وغيره عن عائشة أنّها قالت : كان فيما أنزل الله من القرآن عشر رضعات حديث لا يصحّ الاستدلال به ، لاتّفاق الجميع على أنّه لا يجوز نسخ تلاوة شيء من القرآن بعد وفاته صلىاللهعليهوآلهوسلم وهذا هو الخطأ الصراح. (٢)
وقال تلميذة الأستاذ العريض : وهذا هو الصواب الذي نعتقده ، وندين الله عليه ، حتّى نقفّل الباب على الطاعنين في كتاب الله تعالى ، من الملاحدة والكافرين ، الّذين وجدوا من هذا الباب نقرة يلجون منها إلى الطعن في القرآن الكريم ، وحتّى ننزّه كتاب الله تعالى عن شبهة الحذف والزيادة بأخبار الآحاد ، فما لم يتواتر في شأن القرآن إثباتا وحذفا لا اعتداد به ، ومن هذا الباب نسخ القرآن بالسنة الآحاديّة ، بل حتّى المتواترة عند بعضهم ، ونرفض كلّ ما ورد من الروايات في هذا الباب ، وما أكثرها ، كما ورد في بعض الأقوال عن سورة الأحزاب وبراءة وغيرها. (٣)
٢ ـ نسخ التلاوة دون الحكم
بأن تسقط آية من القرآن الكريم ، كانت تقرأ ، وكانت ذات حكم تشريعى ، ثمّ نسيت ومحيت عن صفحة الوجود ، لكن بقي حكمها مستمرّا غير منسوخ!
وهذا النوع من النسخ أيضا عندنا مرفوض على غرار النوع الأوّل بلافرق ، لأنّ القائل بذلك إنّما يتمسّك بأخبار آحاد زعمها صحيحة الإسناد ، متغفلا عن أنّ نسخ آية محكمة شيء ، لا يمكن إثباته بأخبار آحاد لا تفيد سوى الظنّ ، وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا.
هذا فضلا عن منافاته لمصلحة نزول نفس الآية أو الآيات ، إذ لو كانت المصلحة التي كانت
__________________
(١) الفقه على المذاهب الأربعة ٣ : ٢٥٧.
(٢) فتح المنّان : ٢١٦ ـ ٢١٧.
(٣) المصدر : ٢١٩.