والنسخ والإنساء ظاهرتان دينيّتان ، تخصّان عهد الوحي الممكن تبديل المنسوخ أو المنسي بمثله أو بأتمّ ، أمّا وبعد انقطاع الوحي بوفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا نسخ ولا إنساء البتّة ، صرّح بذلك عامّة أهل الاصول.
الأمر الذي يجعل من القول بضياع شيء من القرآن أو إسقاطه بعد انقضاء عهد الرسالة قولا بالتحريف الباطل لا محالة ، ومن ثمّ نتحاشاه قطعيّا لا ترديد!
٣ ـ نسخ الحكم دون التلاوة
بأن تبقى الآية ثابتة في المصحف يقرأها المسلمون عبر العصور ، سوى أنّها من ناحية مفادها التشريعيّ منسوخة ، لا يعمل بها بعد مجيء الناسخ القاطع لحكمها.
وهذا النوع من النسخ هو المعروف بين المفسّرين وهكذا الفقهاء ليدعوا الأخذ بهكذا آيات حسبوها منسوخة الحكم.
الأمر الذي نستنكره جدّا ـ كما استنكرنا النوعين الأوّلين ـ نظرا لاستلزامه اللغويّة في ثبت وإبقاء هكذا آيات قد بطلت رسالتها ولم يعد لوجودها أثر ولا فائدة عائدة على المسلمين!!
هذا فضلا عن استلزامه وجود اختلاف بيّن بين آي الذكر الحكيم .. إذ لا يكون نسخ إذا لم يكن تهافت بائن بين الناسخ والمنسوخ وقد قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً). (١)
والنسخ ، لا يعرف إلّا عن طريق التهافت والاختلاف بين آيتين ، لتكون اللاحقة نزولا ، ناسخة للسابقة ، هكذا فرضوا وهكذا حسبوا!!
ولكن هل هناك بين آيات زعموهنّ منسوخات ، وآيات حسبوهنّ ناسخات ، تهافت وتباين؟
حاشا وكلّا!
مثلا ، حسبوا من آية الإمتاع إلى الحول للمتوفّى عنها زوجها ، أنّها منسوخة ، نسختها آيات العدد والمواريث قال تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (٢)
__________________
(١) النساء ٤ : ٨٢.
(٢) البقرة ٢ : ٢٤٠.