ولا دليل في المقام ، نظرا لضعف ما ورد بذلك من روايات.
ومضافا إلى أنّ المنسوخ يجب أن يكون إلزاما ، فيرتفع بالناسخ الذي هو إلزام آخر ينافيه .. لا إذا كان أمرا ندبا لا إلزام فيه ، حيث صراحة الآية بذلك (فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ ...) يعني : كان الأمر لها ، إمّا تطالبه أو تعفيه كما قال العلّامة الطباطبائي : كان ذلك حقّا لهنّ ، والحقّ يجوز تركه. فكان لهنّ أن يطالبن به وأن يتركنه. (١)
وعليه فلا تنافي بين الآية وما حسبوه ناسخا لها.
فالأظهر أنّ الآية لا تمسّ مسألة الاعتداد ولا الحداد ، ولا هي ناظرة إلى عادة جاهليّة بائدة وإنّما هي شريعة إسلاميّة عريقة جاءت لتقرّر جانب السماح والإنصاف في سلوك الجماعة المسلمة ، فليراعوا الحقوق المفروضة أو المندوب إليها برحب وسماح فإنّ المؤمن سهل القضاء وسهل الاقتضاء ـ كما في الحديث (٢) ـ ولا سيّما في مثل هذه المرأة المسكينة ـ والتي انهدم صرح شوكتها ـ فيراعوا جانبها برفق ولين ووئام.
ومن ثمّ فالأوفق بظاهر الآية أنّها نزلت بعد آية العدد ، والتي كانت صارمة في التكليف الباتّ فجاءت هذه لترقّق وتلطّف جانب القضيّة ولتقرّر حقّا لها إلى جنب ما كان عليها من حقّ مفروض.
فالصحيح ما ذهب إليه سيّدنا الأستاذ ـ طاب ثراه ـ من كون الآية ندبا إلى أمر مترجّح ، تجاه آية العدد التي كانت صارمة وإلزاما لا مفرّ منه.
***
كما أنّه ليس في ظاهر تعبير الآية أنّها تقرير لشريعة جاهليّة كانت سائدة فأقرّتها.
وهكذا ليس في روايات الباب ما يشي بذلك ، وأن كانت هناك آية قرّرت أمرا ثمّ جاء ناسخها وإنّما الروايات تحدّث عن شريعة إسلاميّة جاءت لتخفّف من شريعة جاهليّة كانت صعبة.
أمّا أنّ تلك الشرعة الباهظة كان قد أقرّها الإسلام يوما ثمّ نسخها ، فليس في رواياتنا ولا إشارة إليه :
[٢ / ٢٩٥٢] فقد روى محمّد بن يعقوب الكليني بالإسناد إلى أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله
__________________
(١) الميزان ٢ : ٢٥٩. هذا كلامه قدسسره ومع ذلك فرض الآية منسوخة! وهذا غريب ولعلّه متهافت مع فرض الندب! فتدبّر!
(٢) انظر : الفقيه ٣ : ١٩٦ / ٣٧٣٧ ، عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.