إذن فإطلاق الفاحشة على الزنا ، كان من باب إطلاق المفهوم العامّ على أحد مصاديقه ، لا أنّه هو مفهومه بالذات.
فهنا ـ في آية جزاء الفحشاء من سورة النساء ـ لم يتعيّن إرادة الزنا ـ أو اللواطة ـ بالخصوص ، بعد احتمال اللفظ لأيّ عمل سوء كان فاحشا عارم السّوء ، ومنكرا يستقبحه العرف العامّ.
وبعد ، فإذ كان اللفظ يحتمل المعنى الأعم للفحشاء ، فمن المحتمل القريب ، بل لعلّه الأظهر حسب سياق الآية مساقها في معرض غفران العثرات ممّن : (يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ)(١). فلعلّ الآية هادفة إلى الحفاظ على كرامة الأسرة المتعفّفة ، فلا تتبرّج نساؤهم ولا تستهتر بنفسها عرضة رخيصة في متناول الأجانب ، فإن شهد جماعة من أعضاء الأسرة ، ذلك من إحدى نساءهم فليحولوا دون خروجها ، وإمساكها في البيوت ، لعلّها تفيء إلى رشدها ، أو ييسّر الله لها إمكان الزواج بما يطفى أوارها ذلك المتوهّج.
وهكذا إذا وجدوا من فتيين (٢) ، يربطهما أواصر مريبة ، فليراقبوهما ويذكّروهما ويؤنّبوهما على مشيتهما هذه المريبة ، ليتوبا إلى رشدهما ، وسوف يتوب الله عليهم ويصلح بالهم. (٣)
ويشهد لصحّة هذا الاستنتاج ، سوق الآية مساقها مع آيات التوبة وشمول المغفرة لمن تاب وأناب بعيدا عن قضيّة فرض الحدّ والأخذ بالشدّة على مرتكبي الآثام.
أنظر إلى نعومة التعبير هنا : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً. وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً. إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً). (٤)
أمّا إذا كان مجال فرض الحدّ والعقوبة على الجرائم فإنّ اللحن يختلف ويأخذ شدّته وصرامته من غير لين.
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ
__________________
(١) الآية رقم ١٧ من سورة النساء ، تعقّبا على آية الفحشاء.
(٢) شابّين أو شابّتين أو شابّا وشابّة.
(٣) (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) سورة محمّد ٤٧ : ٢.
(٤) النساء ٤ : ١٥ ، ١٦ ، ١٧.