قال تعالى :
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (١١٥))
هذا ردّ على شبهة يهوديّة مزعومة : قالوا : إذا كان التوجّه إلى بيت المقدس توجّها إلى الله في العبادة ، فليكن التوجّه إلى البيت الحرام توجّها إلى غيره تعالى؟!
لكن إذا كان التوجّه إلى نقطة مّا في العبادة ، لغرض توحيد الصفّ وتوحيد الاتجاه إلى الله في العبادة ، هذا فحسب فلا يتعدّد الاتجاهات ولا يختلف الصفوف حين العبادة والوقوف لديه تعالى ، هذا هو الغرض الأصلي والهدف الأقصى.
وأمّا كون هذا الاتجاه إلى بيت المقدس أو أيّ نقطة أخرى ، فلا يعدو اعتباريّا محضا ، قد يختلف حسب اختلاف الظروف والأحوال.
وإلّا فكلّ نقطة اتّجه إليه المتعبّد في قيامه وركوعه وسجوده وصلاته ودعائه ، فهو متّجه إلى الله سبحانه ، إذ لا يحويه مكان ولا يخلو منه مكان (إِنَّ اللهَ واسِعٌ) في الاتجاه إليه سعة الآفاق (عَلِيمٌ) بنيّاتكم في التوجّه والعبادة.
إذن فلم يكن الله قابعا في زاوية بيت المقدس ، ولا هو ارتحل إلى البيت الحرام؟!
[٢ / ٣٠٢٩] قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ...) قال ابن عبّاس واختاره الجبّائي : إنّه ردّ على اليهود ، لما أنكروا تحويل القبلة إلى الكعبة. قال تعالى : ليس هو في جهة دون جهة كما يقول المشبّهة. (١)
[٢ / ٣٠٣٠] وهكذا روى الثعلبي عن أبي العالية قال : لمّا غيّرت القبلة إلى الكعبة ، عيّرت اليهود المؤمنين في انحرافهم عن بيت المقدس. فأنزل الله تعالى هذه الآية جوابا إليهم. (٢)
[٢ / ٣٠٣١] وروي عن أبي محمّد العسكري عليهالسلام قال : «جاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقالوا : يا محمّد ، هذه القبلة بيت المقدس ، قد صلّيت إليها أربع عشرة سنة ، ثمّ تركتها الآن! أفحقّا
__________________
(١) التبيان ١ : ٤٢٤ ؛ مجمع البيان ١ : ٣٥٨.
(٢) الثعلبي ١ : ٢٦٣.