بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء؟ قالوا : لا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فكذلك تعبّدكم في وقت لصلاح يعلمه بشيء ، ثمّ بعده في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشيء آخر ، فإذا أطعتم الله في الحالين استحققتم ثوابه. وأنزل الله : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) أي إذا توجّهتم بأمره ، فثمّ الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه.
ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عباد الله ، أنتم كالمرضى ، والله ربّ العالمين كالطبيب ، فصلاح المرضى فيما يعلمه الطبيب ويدبّره به ، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه ، ألا فسلّموا لله أمره تكونوا من الفائزين.
فقيل له (لأبي محمّد) : يا ابن رسول الله ، فلم أمر بالقبلة الأولى؟ فقال : لما قال الله عزوجل : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) وهي بيت المقدس (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) إلّا لنعلم ذلك منه موجودا ، بعد أن علمناه سيوجد ذلك. إنّ هوى أهل مكّة كان في الكعبة ، فأراد الله أن يبيّن متّبع محمّد من مخالفه ، باتّباع القبلة التي كرهها ، ومحمّد يأمر بها. ولمّا كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس ، أمرهم مخالفتها والتوجّه إلى الكعبة ، ليتبيّن من يوافق محمّدا فيما يكرهه ، فهو مصدّقه وموافقه.
ثمّ قال تعالى : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ)(١) إنّما كان التوجّه إلى بيت المقدس ، في ذلك الوقت كبيرة ، إلّا على من يهدي الله ، فعرف أنّ الله يتعبّد بخلاف ما يريده المرء ، ليبتلي طاعته في مخالفته هواه». (٢)
ملحوظة
هذه الآية وإن كانت في صياغتها الأولى وسياقتها مع حادث تحويل القبلة ، تستهدف الإجابة على مسائل قد يثيرها المتشكّكون ، حسبما قدّمنا في آية النسخ والإنساء ، وهنا ، كما عرفت.
لكن لها واجهة أخرى هي أعمّ يمكن التطلّع منها إلى آفاق أوسع نطاقا ، وبشأن مسائل أخرى
__________________
(١) البقرة ٢ : ١٤٣.
(٢) الوسائل ٣ : ١٧٥ ؛ الاحتجاج ١ : ٤٤ ؛ البحار ٤ : ١٠٥ ـ ١٠٧ ، أبواب الصفات ، الباب الثالث.