فتنتك (١). وهذا عند ما قال الله تعالى لموسى : (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ)(٢).
قال أبو مسلم الأصفهاني : ليس في القرآن تصريح بهذا الّذي ذكره المفسّرون ، فهاهنا وجه آخر ، وهو : أن يكون المراد بالرسول هو موسى عليهالسلام ، وبأثره سنّته ورسمه الّذي أمر به. فقد يقال : فلان يقفوا إثر فلان ويقبض أثره إذا كان يمتثل رسمه. والتقدير : أنّ موسى عليهالسلام لمّا أقبل على السامريّ باللوم والسؤال عن الّذي دعاه إلى إضلال القوم قال السامرىّ : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) أي عرفت أنّ الّذي أنتم عليه ليس بحقّ ، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيّها الرسول ، أي شيئا من سنّتك ودينك ، فقذفته أي طرحته ... وإنّما أورد بلفظ الإخبار عن غائب ، كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له : ما يقول الأمير في كذا ، وبماذا يأمر الأمير ... وأمّا دعاؤه موسى عليهالسلام رسولا مع جحده وكفره فعلى مثل ما حكى الله عن المشركين : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)(٣) وإن كانوا لم يؤمنوا بإنزال الذكر عليه.
والإمام الرازي رجّح هذا القول وأيّده بوجوه. قال : إنّ هذا القول الّذي ذكره أبو مسلم ليس فيه إلّا مخالفة المفسّرين ، ولكنّه أقرب إلى التحقيق (٤).
وهكذا الشيخ المراغي ، قال : إنّ موسى لمّا أقبل على السامريّ باللوم والتعنيف والسؤال عن الأمر الّذي دعاه إلى إضلال القوم ردّ عليه بأنّه كان استنّ بسنّته ، واقتفى أثره وتبع دينه ، ثمّ استبان له أنّ ذلك هو الضلال بعينه ، وأنّه ليس من الحقّ في شيء ، فطرحه وراءه ظهريّا وسار على النهج الّذي رأى (٥).
ما كانت صفة العجل؟
جاء في تفسير ابن كثير وغيره : أنّ السامريّ ألقي في روعه أنّه لا ينبذ التراب الذي أخذ من تحت حافر فرس جبرائيل على شيء ويقول له كن كذا إلّا كان كما أراد ، ومن ثمّ لمّا أخذ حليّ القوم وألقاها في النار قذف من تلك القبضة عليها وقال : كن عجلا ، فصار عجلا ذا لحم وعظم ودم ، وجعل
__________________
(١) راجع : الدرّ ٥ : ٥٩٢.
(٢) طه ٢٠ : ٨٥.
(٣) الحجر ١٥ : ٦.
(٤) التفسير الكبير ٢٢ : ١١١.
(٥) تفسير المراغي ٦ : ١٤٥.