والكلام في «عسى» أكثريّا ـ حيث جاءت في كلامه تعالى ـ هو الكلام في «لعلّ» جاءت لتبيّن أنّ المقدّم ، من المقتضيات القريبة لحصول التالي. كقوله تعالى : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١). حيث كانت للتوبة شرائط أخر يجب توفّرها لتقع موقع القبول.
وقولهم : ومعناه الترجّي في المحبوب ، والإشفاق في المكروه (٢) ، يريدون نفس المعنى الّذي ذكرناه ، فحيث كان المقدّم أرضيّة صالحة لنبات شيء محبوب أو نبات شيء مكروه ، جاز استعمال «عسى» فيه ، دلالة على هذا الاقتضاء والصلاحيّة ، إن محبوبا أو مكروها.
وتأتي بقيّة الكلام ـ في عسى ـ عند الآية ٢١٦ من سورة البقرة ، إن شاء الله.
قوله تعالى : (تَشْكُرُونَ)
قال الثعلبي : اختلف العلماء في ماهيّة الشكر :
[٢ / ١٨٤٦] فقال ابن عبّاس : هو الطاعة بجميع الجوارح لربّ الخلائق في السرّ والعلانية.
[٢ / ١٨٤٧] وقال الحسن : شكر النعمة ذكرها ؛ قال الله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(٣).
[٢ / ١٨٤٨] وقال الفضيل بن عياض : شكر كلّ نعمة ألّا يعصى الله بعد تلك النعمة.
[٢ / ١٨٤٩] وقال أبو بكر بن محمّد بن عمر الورّاق : حقيقة الشكر : معرفة المنعم ، وأن لا تعرف لنفسك في النعمة حظّا بل تراها من الله ـ عزوجل ـ ؛ قال الله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)(٤).
[٢ / ١٨٥٠] ويدلّ عليه ما روى سيف بن ميمون عن الحسين : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «قال موسى عليهالسلام : يا ربّ كيف استطاع آدم أن يؤدّي شكر ما أجريت عليه من نعمك ؛ خلقته بيدك وأسجدت له ملائكتك وأسكنته جنّتك؟ فأوحى الله إليه : إنّ آدم علم أنّ ذلك كلّه منّي ومن عندي ، فذلك شكر» (٥).
[٢ / ١٨٥١] وعن إسحاق بن نجيح الملطي عن عطاء الخراساني عن وهب بن منبّه قال : قال
__________________
(١) التوبة ٩ : ١٠٢.
(٢) مغني اللبيب لابن هشام ١ : ١٥١.
(٣) الضحى ٩٣ : ١١.
(٤) النحل ١٧ : ٥٣.
(٥) روضة الواعظين ، الفتّال النيسابوري : ٤٧٣ ، الشكر لله ، ابن أبي الدنيا : ٧٠.