كلام عن حقيقة الشكر ومراحله الثلاث : علم وحال وعمل
ذكر الإمام أبو حامد الغزالي : أنّ الشكر ـ وهو من مقامات السالكين ـ ينتظم من علم وحال وعمل. فالعلم هو الأصل الذي يورث الحال. والحال يوجب العمل.
أمّا العلم فهو : معرفة النعمة من المنعم. والحال هو : الفرح والانبساط الحاصل للمنعم عليه بالإفضال عليه. والعمل هو القيام بما يوجب رضى المنعم فيزيده فضلا. وهذا العمل يتعلّق بالقلب وبالجوارح وباللسان جميعا ، ولكلّ وظيفته في أداء الشكر.
فالأصل الأوّل ـ وهو معرفة الإحسان ـ إنّما يتمّ بمعرفة النعمة من وجوهها الثلاثة : معرفة عين النعمة ، فلا تلتبس عليه نقمة حسبها نعمة جهلا.
ومعرفة وجه كونها نعمة في حقّه بالذات ، إذ قد يكون ما ظاهره نعمة ـ وبالنسبة إلى العموم ـ هي نقمة في واقعها بشأنه الخاصّ ، كما في الاستدراج.
ومعرفة ذات المنعم وما عليه من كمال وجمال والباعث له على هذا الإنعام إذ قد يكون الإحسان إغفالا للمحسن إليه لغرض الإذلال ـ كما في الممتنّ ـ أو الاستثمار أحيانا ، نظير تعليف الدوابّ لغرض الاستدرار.
قال : كلّ هذه الأمور إنّما تجري في حقّ غيره تعالى ، فأمّا في حقّ الله تعالى فلا يتمّ إلّا بأن يعرف أنّ النعم كلّها من الله وهو المنعم المفضل بالإحسان إلى عباده أجمعين. أمّا الوسائط فهم مسخّرون من جهته تعالى ومأمورون بأمره ويفعلون ما يؤمرون.
وهذه المعرفة وراء التقديس والتوحيد ، واقعة في الرتبة الثالثة من معارف الإيمان. إذ الرتبة الأولى من معارف الإيمان هو التقديس ، وهو تنزيهه تعالى عمّا لا يناسب شأنه العظيم. وإذا عرف أن لا ذات مقدّسة سواه تعالى ، فقد نال رتبة التوحيد وأن لا منزّه سواه ، ثمّ يعلم أنّ كلّ ما في عالم الوجود فهو من ذلك الواحد الواجب الوجود. فالكلّ نعمة منه وفضل تفضّل به على العباد أجمعين. فتقع هذه المعرفة في الرتبة الثالثة ، وتنطوي على التقديس والتوحيد إلى جنب القدرة الكاملة والانفراد بالفعل دون من سواه.
ولعلّ هذا المعنى قصده الرسل الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم حيث قوله :
[٢ / ١٨٨٧] «من قال : سبحان الله فله عشر حسنات. ومن قال : لا إله إلّا الله فله عشرون حسنة.