ومن قال : الحمد لله فله ثلاثون حسنة» (١).
فالتسبيح تقديس. والتهليل توحيد. والتحميد شكر على كلّ النعماء. فقد جمع التقديس والتهليل إلى جنب التحميد. فجاء بأكمل الثناء.
فلا تظنّن أنّ هذه الحسنات بإزاء تحريك اللسان بهذه الكلمات من غير حصول معانيها في القلب وآثارهما في العمل.
فسبحان الله كلمة تدلّ على التقديس وتنزيه ذاته المقدسة. ولا إله إلّا الله كلمة تدلّ على وحدانيّته تعالى. والحمد لله كلمة تدلّ على معرفة النعمة من الواحد الحقّ تعالى. فالحسنات بإزاء هذه المعارف التي هي أبواب الإيمان واليقين ، والباعثة على الاستقامة في العمل والسلوك.
فإذ قد عرفت هذه الأمور كذلك فقد عرفت الله تعالى وعرفت فعله وكنت موحّدا وأتيت بالشكر الواجب لديه ، وكنت بذلك شاكرا لأنعمه تعالى.
[٢ / ١٨٨٨] قال موسى عليهالسلام في مناجاته : «إلهي خلقت آدم بيدك وفعلت وفعلت ، فكيف شكرك؟ فقال الله ـ عزوجل ـ : علم أنّ كلّ ذلك منّي ومن عندي ، فكانت معرفته شكرا» (٢).
[٢ / ١٨٨٩] وعن الصادق عليهالسلام : «من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه ، فقد أدّى شكرها» (٣).
[٢ / ١٨٩٠] وعنه عليهالسلام قال : فيما أوحى الله ـ عزوجل ـ إلى موسى عليهالسلام : «يا موسى اشكرني حقّ شكري! فقال : يا ربّ وكيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكر أشكرك به إلّا وأنت أنعمت به عليّ؟! قال : يا موسى ، ألآن شكرتني ، حين علمت أنّ ذلك منّي» (٤).
وقال الورّاق : حقيقة الشكر معرفة المنعم وأن لا تعرف لنفسك في النعمة حظّا ، بل تراه من الله ـ عزوجل ـ. قال الله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)(٥).
***
قال أبو حامد : وأمّا الأصل الثاني ـ وهي الحال المستمدّة من أصل المعرفة ـ فهو الفرح
__________________
(١) أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث أبي هريرة ١ : ٥١٢.
(٢) إحياء العلوم ٤ : ٨٠ ؛ الثعلبي ١ : ١٩٥ ؛ روضة الواعظين ، الفتّال النيسابوري : ٤٧٣ ؛ الشكر لله ، ابن أبي الدنيا : ٧٠.
(٣) الكافي ٢ : ٩٦ / ١٥.
(٤) المصدر : ٩٨ / ٢٧.
(٥) النحل ١٦ : ٥٣. راجع : الثعلبي ١ : ١٩٥.