لا مفرّ من الموت ، لما كان لنا مندوحة عن تفسير إحيائهم ، بأنّ الباقين منهم تناسلوا بعد ذلك وكثروا ، وكانت الأمّة بهم حيّة عزيزة ، ليصحّ أن تكون الآية تمهيدا لما بعدها ، مرتبطة به. والله تعالى لا يأمرنا بالقتال لأجل أن نقتل ثمّ يحيينا ، بمعنى أنّه يبعث من قتل منّا بعد موتهم في هذه الحياة الدنيا (١).
***
ولم يرتض سيّدنا العلّامة الطباطبائي هذا التأويل ، وعدّه مسربا إلى إنكار المعجزات كما سبق في كلام الفخر الرازي.
قال : وهذا الكلام كما ترى مبنيّ أوّلا على إنكار المعجزات وخوارق العادات أو بعضها ، كإحياء الموتى ، وقد مرّ إثباتها! على أنّ ظهور القرآن في إثبات خرق العادة بإحياء الموتى ونحو ذلك ممّا لا يمكن إنكاره ، ولو لم يسع لنا إثبات صحّته من طريق العقل.
وثانيا : مبنيّ على دعوى أنّ القرآن يدلّ على امتناع أكثر من حياة واحدة في الدنيا. في حين أنّ القرآن يذكر كثيرا من قصص الأنبياء وإحياء الموتى على أيديهم.
وثالثا : على أنّ الآية لو كانت مسوقة لبيان القصّة لتعرّضت لتعيين القوم وشخص النبيّ ، في حين أنّ البلاغة قد تستدعي إهمال جوانب من الكلام ، لا فائدة في التعرّض لها.
ورابعا : على أنّ الآية لو لم تحمل على التمثيل ، لم ينسجم سياق الآيات ، هذا مع العلم أنّ القرآن نزل نجوما وفي فترات ، وقد لا تكون هناك مناسبة ـ في الظاهر ـ بين آية وقريناتها.
قال : فالحقّ أنّ الآية ـ كما هو ظاهرها ـ مسوقة لبيان قصّة ، لها واقع يستشهد بها ، ولا استشهاد بتمثيل لا يعدو تخييلا في واقعه (٢).
قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً)
سبق أنّها نزلت بشأن الإنفاق في سبيل الله والجهاد لإعلاء كلمة الإسلام. فكلّ ما ينفقه الباذل في سبيل الله ، فإنّه إقراض لله ، ليعود عليه بأضعاف مضاعفة. وذلك على شريطة أنّ الباذل على حسن نيّة وعن طيب نفس ، وحينئذ فلا يخشى النفاد ، والله ـ سبحانه ـ هو الكافل لقسمة الأرزاق ،
__________________
(١) المنار ٢ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩.
(٢) الميزان ٢ : ٢٩٤ ـ ٢٩٥.