اعتقاديّة ، إنّما يضع قاعدة من قواعد الدستور للحياة البشريّة ونوع الارتباطات الّتي تقوم فيها كذلك.
قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)
وهذه صفة أخرى من صفاته تعالى ، توضّح مقام الألوهيّة ومقام العبوديّة ، فالعبيد جميعا يقفون في حضرة الألوهيّة موقف العبوديّة ، لا يتعدّونه ولا يتجاوزونه ، يقفون في مقام العبد الخاشع الخاضع ، الّذي لا يقدم بين يدي ربّه ، ولا يجرأ على الشفاعة عنده ، إلّا بعد أن يؤذن له. فيخضع للإذن ويشفع في حدوده. وهم يتفاضلون فيما بينهم ، ويتفاضلون في ميزان الله. ولكنّهم ـ جميعا ـ يقفون عند الحدّ الّذي لا يتجاوزه عبد.
إنّه الإيحاء بالجلال والهيمنة في ظلّ الألوهيّة الجليلة العليّة. ويزيد هذا الإيحاء عمقا صيغة الاستفهام الاستنكاريّة ، الّتي توحي بأنّ هذا أمر لا يكون ، وأنّه مستنكر أن يكون. فمن هذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه؟!
وفي ظلّ هذه الحقيقة تبدو سائر التصوّرات المنحرقة للّذين جاؤوا من بعد الرسل فخلطوا بين حقيقة الألوهيّة وحقيقة العبوديّة ؛ فزعموا الله ـ سبحانه ـ خليطا يمازجه أو يشاركه بالبنوّة أو بغيرها من الصور في أيّ شكل وفي أيّ تصوّر. أو زعموا له ـ سبحانه ـ أندادا يشفعون عنده فيستجيب لهم حتما. أو زعموا له ـ سبحانه ـ من البشر خلفاء يستمدّون سلطانهم من قرابتهم له.
في ظلّ هذه الحقيقة تبدو تلك التصوّرات كلّها مستنكرة مستبعدة لا تخطر على الذهن ، ولا تجول في الخاطر ، ولا تلوح بظلّها في خيال!
وهذه هي النصاعة الّتي يتميّز بها التصوّر الإسلامي ، فلا تدع مجالا لتلبيس أو وهم ، أو اهتزاز في الرؤية! الألوهيّة ألوهيّة ، والعبوديّة عبوديّة. ولا مجال لالتقاء طبيعتهما أدنى التقاء. والربّ ربّ ، والعبد عبد ، ولا مجال لمشاركة في طبيعتهما ولا التقاء.
فأمّا صلة العبد بالربّ ، ورحمة الربّ للعبد ، والقربى والودّ والمدد ، فالإسلام يقرّرها ويسكبها في النفس سكبا ، ويملأ بها قلب المؤمن ويفيضها عليه فيضا ، ويدعه يعيش في ظلالها النديّة