حكما شرعيّا بنفي الإكراه على الدين والاعتقاد.
وإن كان حكما إنشائيّا تشريعيّا ، كما يشهد به ما عقّبه من قوله : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) كان نهيا من الحمل على الاعتقاد والإيمان كرها ، وهو نهي متّك على حقيقة تكوينيّة ، وهي الّتي مرّ بيانها : أنّ الإكراه إنّما يؤثّر بشأن الأفعال الخارجيّة لا المعتقدات القلبيّة (١).
***
وبعد فالإسلام هو أرقى تصوّر للوجود وللحياة ، وأقوم منهج للمجتمع الإنساني بلا مراء ، هو الّذي ينادي بأن لا إكراه في الدين ، وهو الّذي يفرض على معتنقيه أن يدعو الناس على اختيارهم فلا يكرهوا أحدا على قبول الدين ، حيث الدين ـ بطبيعته الذاتيّة ـ يرفض إمكان الإكراه عليه.
ثمّ إنّه لا يزيد السياق على أن يلمس الضمير البشري لمسة توقظه ، وتشوّقه إلى اختيار الهدى ، وتهديه إلى الطريق ، وتبيّن حقيقة الإيمان الّتي أعلن أنّها أصبحت واضحة ، وهو يقول : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).
فالإيمان هو الرشد الّذي ينبغي للإنسان أن يتوخّاه ويحرص عليه ، والكفر هو الغيّ الّذي ينبغي للإنسان أن ينفر منه ويتّقي أن يوصم به! نعم ، والأمر كذلك فعلا ، فما يتدبّر الإنسان نعمة الإيمان ، وما تمنحه للإدراك البشري من تصوّر ناصع واضح ، وما تمنحه للقلب البشري من طمأنينة وسلام ، وما تثيره في النفس البشريّة من اهتمامات رفيعة ومشاعر نظيفة ، وما تحقّقه في المجتمع الإنساني من نظام سليم قويم دافع إلى تنمية الحياة وترقيتها ، ما يتدبّر الإنسان نعمة الإيمان على هذا النحو ، حتّى يجد فيها الرشد الّذي يتقبّله كلّ ذي قلب سليم ، ولا يرفضه إلّا سفيه ، يترك الرشد إلى الغيّ ، ويدع الهدى إلى الضلال ، ويؤثر التخبّط والقلق والهبوط والضآلة ، على الطمأنينة والسّلام والرفعة والاستعلاء!
مشروعية الجهاد في الإسلام
وإذ كان أمر الدين ، إنّما يستقيم على البرهان والاستدلال ، ولا ينفع أيّ إرهاب أو إرعاب ، فما موضع قتال أهل الكفر في الإسلام؟ : (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)(٢). (وَقاتِلُوا
__________________
(١) الميزان ٢ : ٣٦٠ ـ ٣٦١.
(٢) التوبة ٩ : ١٢.