وبعد ، فإذ قد عرفت اتّفاق أهل اللغة (١) على تفسير (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أي أملهنّ إليك بحيث يأنسن بك ، وأن لا وجه معروفا (٢) لتفسيره بالذبح والتقطيع. كما لا شاهد في تعبير القرآن على ذبح الطيور وتقطيع أشلائهنّ.
ومن ثمّ لجأ أصحاب هذا القول إلى فرض الكلمة أعجميّة : نبطيّة أو روميّة أو حبشيّة (٣). في حين أنّ الكلمة إذا كانت أعجميّة لا متنعت من تصريفها في الثلاثي المجرّد.
وهكذا حاول الفرّاء توجيه هذا المعنى بفرض القلب في الكلمة ، من غير ما ضرورة تدعو إلى ذلك.
وعليه ، فإذ لا أصل لهذه اللفظة بمعنى التقطيع والتشقيق ، ولا ضرورة تدعو إلى فرض القلب فيها ، أو كونها أعجميّة ، وكلا الفرضين خلاف الأصل. فلم يبق ما يبرّر هذا التفسير ، رغم كونه مشهوريّا ، وربّ مشهور لا أصل له.
وهل اللفظة أعجميّة معرّبة؟
وإليك ما ورد بشأن الكلمة وأنّها أعجميّة معرّبة.
قال ابن عاشور : هو لفظ عربيّ على الأصحّ. وقيل : معرّب : فعن عكرمة : إنّه نبطيّ. وعن قتادة : إنّه حبشيّ. وعن وهب : إنّه روميّ (٤).
[٢ / ٧٥٧٦] أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عبّاس : (فَصُرْهُنَ) قال : هي بالنبطيّة شقّقهنّ (٥).
__________________
(١) مرّ في كلام ابن منظور : (وكلّهم فسّروا فَصُرْهُنّ) : أملهنّ. (لسان العرب ٤ : ٤٧٤).
(٢) مرّ في كلام ابن سيده : (فَصُرْهُنَّ) أي وجّههنّ. وهكذا على قراءة «فصرهنّ» ؛ لأنّ صرت وصرت لغتان. وأنكر اللحياني قول بعضهم : إنّ معنى «فصرهنّ» ـ بالكسر ـ قطّعهنّ وشقّقهنّ. قال : والمعروف أنّهما لغتان بمعنى واحد. (المحكم لابن سيده ٨ : ٣٧٠ ـ ٣٧١).
(٣) حسبما يأتي فيما نسب إلى عكرمة وقتادة ووهب.
(٤) التحرير والتنوير ٢ : ٥١٢ ـ ٥١٣.
(٥) الدرّ ٢ : ٣٥ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥١٢ / ٢٧١١ ، بلفظ : قال : هي بالنبطيّة : صرّبه ، يعني شقّقهنّ ؛ الطبري ٣ : ٧٨ / ٤٦٨٦ ؛ القرطبي ٣ : ٣٠١ ، بلفظ : قال الضحّاك وعكرمة وابن عبّاس في بعض ما روي عنه : إنّها لفظة بالنبطيّة معناه : قطّعهنّ.