فمن ذا الّذي يودّ أن تكون له هذه الجنّة ـ أو هذه الحسنة ـ ثمّ يرسل عليه شواظا من نار المنّ والأذى ، ليمحقها محقا ، كما يمحق الجنّة الإعصار فيه نار ... ومتى؟
في أشدّ ساعاته عجزا عن إنقاذها ، وحاجة إلى ظلّها ونعمائها! (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) التطاعن في السنّ. (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) صغار قصّر ، يعجزون عن مساعدته على الإنقاذ. (فَأَصابَها إِعْصارٌ) زوبعة ، وهي ريح شديدة تقلع الشجر والنبات. (فِيهِ نارٌ) حرارة شديدة. وهي المسمّاة عندهم بريح السموم. (فَاحْتَرَقَتْ) الجنّة بكاملتها ، وانقلبت تلّ رماد. وهذه غاية اليأس بعد الأمل.
وبعد ، فمن ذا الّذي يودّ هذا؟! ومن ذا الّذي يفكّر في مثل هذا المصير ، ثمّ لا يتّقيه؟!
(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) دلائله الواضحات (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) في اتّخاذ السبيل ؛ إمّا راشدا مرضيّا ، يعيش في سعادة وهناء ، أو خائبا تائها في حسراته آيسا من الحياة.
قوله تعالى : (فَأَصابَها إِعْصارٌ)
[٢ / ٧٦٨١] أخرج الطستي في مسائله عن ابن عبّاس ، أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى : (إِعْصارٌ) قال : الريح الشديدة. قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم أما سمعت قول الشاعر :
فله في آثارهنّ خوار |
|
وحفيف ، كأنّه إعصار (١) |
[٢ / ٧٦٨٢] وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصحّحه من طرق ، عن ابن عبّاس في قوله : (إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ) قال : ريح فيها سموم شديدة (٢).
وهكذا روي عن قتادة (٣).
[٢ / ٧٦٨٣] ومن الغريب ما روي عن الضحّاك : فسّر الإعصار بريح فيها برد (٤).
__________________
(١) الدرّ ٢ : ٤٩. والحفيف : صوت يخرج من الحيّة أو الشجرة.
(٢) الدرّ ٢ : ٤٩ ؛ أبو يعلى ٥ : ٧٣ / ٢٦٦٦ ، بلفظ : «قال : الإعصار الريح الشديد» ؛ الطبري ٣ : ١٠٩ / ٤٧٨٢ ؛ ابن أبي حاتم ٢ : ٥٢٤ / ٢٧٨١ ، وزاد : وروي عن السدّي ومجاهد والربيع بن أنس نحو ذلك ؛ الحاكم ٢ : ٢٨٣ ، كتاب التفسير ؛ القرطبي ٣ : ٣١٩ ؛ مجمع الزوائد ٦ : ٣٢٣ ، كتاب التفسير.
(٣) الطبري ٣ : ١١٠ / ٤٧٨٧ ؛ عبد الرزّاق ١ : ٣٧٠ / ٣٤٢.
(٤) الطبري ٣ : ١١٠ / ٤٧٩١.