صاحب هذا القبر ، فو الله إن كان ليصدّ عن سبيل الله ويكذّب رسول الله ، فقال خالد ابنه (١) : بل لعن الله أبا قحافة ، فو الله ما كان يقري الضيف ولا يقاتل العدوّ ، فلعن الله أهونهما على العشيرة فقدا.
ولمّا سمع رسول الله شجار ما بينهما ، ألقى خطام راحلته على غاربها (٢) ثمّ قال : «إذا أنتم تناولتم المشركين فعمّوا ولا تخصّوا (٣) فيغضب ولده.
ثمّ وقف فعرضت عليه الخيل ، فمرّ به فرس فقال عيينة بن حصن (٤) : إنّ من أمر هذا الفرس كيت وكيت! فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ذرنا ، فأنا أعلم بالخيل منك! فقال عيينه : وأنا أعلم بالرجال منك! فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى ظهر الدم في وجهه ، فقال له : فأيّ الرجال أفضل؟ قال عيينة : رجال يكونون بنجد ، يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم (٥) ، ثمّ يضربون بها قدما قدما (٦).
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كذبت ، بل رجال أهل اليمن أفضل ، الإيمان يمانيّ والحكمة يمانيّة ، ولو لا الهجرة لكنت امرءا من أهل اليمن.
ثمّ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : الجفاء والقسوة في الفدّادين أصحاب الوبر (٧) ثمّ جعل صلىاللهعليهوآلهوسلم يعدّد قبائل عربيّة
__________________
ـ بعدك لموتك! فقال أبو أحيحة : الآن علمت أنّ لي خليفة. وأعجبه شدّة نصبه في عبادتها! راجع : هامش السيرة لابن هشام ١ : ٨٦. ويبدو أنّ استعراض الخيل حينذاك كان بعد الفتح بخارج مكّة ، حيث قبر أبي أحيحة بها.
(١) أي ابن أبي أحيحة وهو خالد بن سعيد بن العاص بن أميّة ؛ كان من السابقين الأوّلين ، قيل : كان رابعا أو خامسا ، لرؤيا رآه فلمّا أصبح أتى النبيّ وأسلم على يديه. فبلغ ذلك أباه فعاتبه ومنعه القوت ومنع إخوته من الكلام معه. فتغيّب خالد حتّى خرج بعد ذلك إلى الحبشة ، واستعمله النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على صدقات مذحج ، واستشهد يوم أجنادين سنة ١٣. (الإصابة ١ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧ / ٢١٦٧. والاستيعاب بهامش الإصابة ١ : ٣٩٩ ـ ٤٠٠).
(٢) الخطام : حبل يجعل في عنق البعير ويثنى في خطمه وهو مقدّم أنفه. والغارب : الكاهل وهو أعلى الظهر. أو ما بين السنام والعنق في البعير.
(٣) أي اذكروهم بصيغة عامّة ولا تخصّوا أحدا منهم بالذكر.
(٤) كان اسمه حذيفة فلقّب عيينة لأنّه كان أصابته شجّة فجحظت عيناه. كان من المؤلّفة ولم يصحّ له رواية وكان فيه جفاء سكّان البوادي وله ردّة وأوبة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في جفاء عارم. وقضاياه في ذلك معروفة. الإصابة ٣ : ٥٤ ـ ٥٥ / ٦١٥١.
(٥) الكاثبة من الفرس : أعلا ظهره.
(٦) يقصد قومه أعراب نجد ، يصفهم بالنجدة والشجاعة.
(٧) الفدّادون : أصحاب المواشي والجمال ، الرحّل. لأنّهم في سياقتهم للمواشي والأحشام تعلو أصواتهم هياجا بها ، وفدّ