وبعد ، فهذا دعاء يصوّر حال المؤمنين مع ربّهم ، وإدراكهم لضعفهم وعجزهم وحاجتهم إلى رحمته وعفوه وغفرانه ، وافتقارهم لمدده وعونه ، واعتمادهم إلى ركنه ، والتجاءهم إلى كنفه. وتجرّدهم من كلّ من عداه ، واستمدادهم النصر منه في غلبة حجّتهم على من نبذوا الحقّ وكفروا بأنعم الله.
كلّ هذه التعابير جاءت في صياغة نغمة وادعة واجفة ، تصوّر بإيقاقاتها وجيب القلب ورفرفة الروح.
نعم ، (خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)(١).
قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)
أي لها نفع ما كسبته من عمل خير. وعليها ضرّ ما اكتسبته من شرّ.
وأضيف الاكتساب إلى الشرّ لبيان أنّ النفس مجبولة على حبّ الخير وكراهة الشرّ ، فعمل الخير أطوع لها وأيسر ، وإنّما تفعل الشرّ بالتكلّف ومزيد عناء ، إذ الميل إلى الخير ممّا أودع في طبع الإنسان ، ولا يحتاج إلى كثير مشقّة في فعله ، بل يجد لذّة في عمله.
وأمّا الشرّ فإنّه يعرض للنفس لأسباب ليست من طبيعتها ولا هي مقتضى فطرتها ، ومن غير أن يخفى عليها ـ حين الارتكاب ـ قبحها وأنّها ممقوتة في نظر الناس ، وأنّها مهينة في قرارة نفوسهم. فكان يعملها في كفاح مع قرارة نفسه ومع مقت الآخرين ، ومن ثمّ كان صعبا عليه وبحاجة إلى تعمّل وارتكاب مشاقّ.
وإلى هذا المعنى أشار سيبويه بقوله : «كسب : أصاب ، واكتسب : تصرّف واجتهد» (٢).
قوله : «أصاب» مطلق ، سواء أصابه بسهولة ويسر ، أم بصعوبة وعناء. أمّا الاكتساب فهي الإصابة بجهد وعناء.
__________________
(١) المطفّفين ٨٣ : ٢٦.
(٢) لسان العرب ١ : ٧١٦ (كسب).